وانتصرت فلسطين! – أخبار السعودية – كورا نيو

على الرغم من التعاطف الدولي الذي حظيت به إسرائيل في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر ولاسيما من العديد من الدول العظمى، وتحديداً تلك الدول التي اعتقدت أنه من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها منعاً لتكرار تلك الأحداث مستقبلاً، وعلى الرغم أيضاً من توافد قادة وزعماء العالم لإسرائيل لتقديم التعازي الحارة لأهالي الضحايا، نظراً لعدد الضحايا والرهائن الذين تمكّنت حماس من قتلهم وأسرهم، وهو ما حدا بإسرائيل نفسها لأن تعلن أنها تخوض حرباً شاملة ضد حماس.
غير أن العالم فوجئ برد فعل إسرائيلي عنيف لم يكن منطقياً ولا متوقعاً ولا مقبولاً على الإطلاق، فقطاع غزة الذي لا تتجاوز مساحته 700 كم متربع، ويقطنه ما يقرب من مليوني ونصف فلسطيني، أصبح مرتعاً لآلة القتل الإسرائيلية، التي تخطت مفهوم الدفاع عن النفس إلى مفهوم الإبادة الجماعية، ويوماً بعد يوم بدأت تتضح للعالم ملامح حملة الإبادة المنظمة التي تنتهجها إسرائيل ضد سكان قطاع غزة والضفة الغربية، حيث تبيّن للعالم أجمع كيف اتخذت إسرائيل أحداث السابع من أكتوبر ذريعة لتهجير الفلسطينيين كخطوة لاستيطان قطاع غزة والضفة الغربية.
من الواضح أن فكرة استيطان غزة لم تغب يوماً ما عن أذهان قادة إسرائيل، وهي الفكرة المتمحورة في العقلية الإسرائيلية حتى قبل أحداث السابع من أكتوبر، والتي قدمت لإسرائيل على طبق من ذهب خطة للاستيلاء على غزة بمباركة دولية، وعلى مرأى ومسمع من المجتمع الدولي الذي ساند إسرائيل ودعمها في بداية الأحداث، وبالفعل لم تُضِع إسرائيل الفرصة واستغلتها وشرعت في تدمير القطاع بشكل شبه كامل غير مبالية بأعداد الضحايا غير المسبوقة.
غير أن ما لم تفطن له إسرائيل هو أن حملة القمع المهولة التي انتهجتها وأسفرت عن احتجاجات شعبية واسعة في مناطق عدة بالعالم وأولهم داخل حليف إسرائيل الأكبر وهو الولايات المتحدة الأمريكية، بخلاف الدعوات القضائية ضد إسرائيل واستصدار قرارات ضد نتنياهو نفسه وضد عدد من وزرائه باعتبارهم مجرمي حرب، بخلاف النزاعات العديدة التي ظهرت بين إسرائيل والعديد من الدول التي كانت تجمعها بها علاقات طيبة من قبل، لم تتصور إسرائيل على الإطلاق أن يفضي كل ذلك لصدور وتبلور قرار سياسي، وهو قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل العديد من دول العالم ولاسيما العظمى منها.
لا شك أن قرار الاعتراف بدولة فلسطين يحمل رسائل سياسية قوية جدًا، لعل أهمها هو تقويض الحلم الإسرائيلي نفسه في محو فلسطين والفلسطينيين من المشهد السياسي، أملاً في أن تترسّخ هذه الفكرة والسياسة لاحقاً بحكم الأمر الواقعي، وينسى العالم تدريجياً وجود أي حقوق للفلسطينيين، فالاعتراف بدولة فلسطين يعني أنه سيكون لهذه الدولة وجود فعلي على بقعة محددة من الأرض (أرضهم التاريخية)، كما يعني أنه سيكون لها سفارات في مختلف الدول التي اعترفت بها، وسيتم رفع العلم الفلسطيني فوقها ليرفرف بحرية معلناً ميلاد تلك الدولة الذي طال انتظاره، وهو ما حدث بالفعل في بريطانيا، ولا شك أن المؤتمر الدولي الذي قادت جهوده المملكة العربية السعودية مع فرنسا أتى ثماره على أكمل وجه، وقد وصل عدد الدول التي اعترفت بفلسطين إلى 150 دولة حتى لحظة كتابة هذه السطور.
من المؤكد أن المزيد من الاعترافات الدولية بدولة فلسطين سيتوالى لاحقاً، أما إسرائيل التي تعلن يوماً بعد يوماً عن نيتها المبيتة في عرقلة مثل هذه الاعترافات وعدم الاعتراف بها أبداً مهما حدث، فهي للأسف لا تجيد قراءة الرسائل الموجهة لها، وكأن قادتها يعيشون في عالمهم الخاص بعيداً عن سياسات وقرارات المجتمع الدولي، وقبل أيام صرّح قادة إسرائيليون عن نية إسرائيل الحازمة في إجهاض أي محاولة لتأسيس دولة فلسطينية.
من الواضح تماماً بأن التدمير العمدي لمدينة غزة والمذابح مسبقة التخطيط التي تُرتكب ضد سكانه هدفها الأساسي تهجير الشعب الفلسطيني، فالغاية من هذه الحرب كما غدا واضحاً جدًا هو ضم غزة لإسرائيل، فحماس لم تكن يوماً المستهدف الوحيد من كل هذا الدمار والعنف الهائل، فحماس ليست أكثر من ذريعة قُدمت لإسرائيل على طبق من ذهب لتتمكن من تحقيق حلمها الخيالي وأجندتها المشبوهة، وهو ما بدأ يتبدد ويتبخر كلما أمعنت الآلة الإسرائيلية في عدوانها السافر، ليسفر عن واقع جديد تكون فلسطين قد انتصرت فيه.
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات