وما زال في عالم الإعلام والإعلامي.. بقية ! – أخبار السعودية – كورا نيو

يعيش الإعلام اليوم واحدة من أعقد مراحله وأكثرها اضطراباً. العالم يتغير بسرعة مذهلة، ومعه تتبدل الأدوات والمنصات، وتتبدل كذلك علاقة الجمهور بالمعلومة. لم يعد المتلقي ينتظر الصحيفة صباحاً، أو نشرة الأخبار مساءً، بل أصبح يصنع تجربته الإعلامية لحظة بلحظة، عبر هاتفه.
هذا التحول لا يعني بالضرورة نهاية الإعلام، بل هو انتقال من شكل إلى آخر، ومن أدوات تقليدية إلى آليات أكثر مرونة وتنوعاً. لكن التحدي الحقيقي يكمن في سؤال جوهري: كيف نحافظ على جوهر المهنة في ظل هذا الانفجار الرقمي؟ كيف نُبقي على قيمة المحتوى، دون أن ننجرف خلف السطحية والتسرُّع اللذين تفرضهما بعض الوسائط الحديثة؟
هناك نغمة تتكرر كثيراً في نقاشات الإعلاميين: صراع بين الإعلام التقليدي والجديد. والحقيقة أن هذا الصراع مفتعل. المهنة واحدة، والأدوات تتغير. المشكلة ليست في التقنية، بل في غياب الرؤية التحريرية التي تواكب هذا التغيير، وتعرف كيف تكيّف المحتوى الجاد مع لغة الجمهور المعاصر.
المؤسسات الإعلامية التي تدرك أنها ليست مجرد صحيفة أو قناة، بل مصنع ضخم للمحتوى، هي وحدها القادرة على الاستمرار. فالعصر القادم هو عصر «المنصة»، التي تجمع النص، والصوت، والصورة، والجرافيك، والتفاعل في آنٍ واحد. لم يعد منطق الفصل بين الوسائط صالحاً، ولم تعد الصحافة الورقية وحدها تمثل المهنة.
وفي خضم هذا التحول، يجب أن نعيد التفكير في صورة الإعلامي أيضاً. لم يعد ضرورياً أن يكون ذلك «المناضل الأبدي» أو «عدو السلطة». بل أصبح من الواجب أن يكون ناقلاً أميناً للحقيقة، منفتحاً على كل مصادرها، بما فيها السلطة نفسها. تجاهل نصف الحقيقة لا يصنع إعلاماً نزيهاً.
وربما تكمن المأساة الكبرى في غياب القارئ. نحن شعوب لا تقرأ، ولا تُقيّم المعرفة. ولهذا إذا أردنا مستقبلاً مختلفاً، فعلينا أن نبدأ من جذور المجتمع: الطفل. تنمية صحافة الطفل ليست ترفاً، بل استثمار في بقاء المهنة.
الإعلام لن ينتهي، لكنه سيتحول. ومن يفهم هذا التحول، ويستعد له، سيكون من صناع المستقبل، لا من ضحاياه.
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات