أخبار العالم

من يقود الآخر.. الإنسان أم الذكاء الاصطناعي؟! – أخبار السعودية – كورا نيو


يمثّل الذكاء الاصطناعي اليوم أحد أكثر التحولات الفكرية والتقنية تأثيراً في تاريخ الإنسان الحديث. لم يعد السؤال مقتصراً على حدود قدرته أو مجالات استخدامه، بل تجاوز ذلك إلى سؤال وجودي أعمق: هل يصنع الفرد قيمة حقيقية عندما يستخدم الذكاء الاصطناعي، أم أن القيمة تُسجّل للتقنية ذاتها؟

هذا السؤال لم يعد ترفاً فكرياً، بل ضرورة لفهم شكل الإنسان في عصر الأدوات الذكية، ومستقبل دوره في العالم.

من الناحية المبدئية، يصعب القول إن أي أداة مهما بلغت من التطور تستطيع أن تنتج قيمة مستقلة عن الإنسان. فالآلة لا تعمل من ذاتها، ولا تبتدع هدفاً، ولا تتحرك دون دوافع بشرية. غير أن طبيعة الذكاء الاصطناعي -بقدرته على إنتاج نصوص وصور وأفكار واستدلالات- جعلت البعض يظنون أنه قادر على الحلول محل الإنسان في إنتاج القيمة، وليس مجرد خدمته في تحقيقها. وهنا تكمن الإشكالية التي تحتاج إلى تفكيك هادئ.

أولاً: القيمة تبدأ من الإنسان ولا تنتهي عنده:

القيمة المعرفية أو الإبداعية لا تُقاس بكمّ المعلومات المنتجة، بل بمرجعيتها الإنسانية: بمقاصدها، ووعي صاحبها، وقدرته على تحويل الفكرة إلى معنى. الذكاء الاصطناعي يستطيع أن يولد نصاً بديعاً أو حلاً رقمياً متقدماً، لكنه لا يمتلك «القصدية»؛ وهي السمة التي تميّز العقل البشري وتمنحه صفة الإبداع.

فالأداة -مهما بلغت- تعمل داخل حدود ما يُملى عليها، بينما الإنسان وحده يمتلك القدرة على تجاوز المعطيات لإنتاج شيء لم يكن ممكناً من قبل.

لذلك فإن استخدام الذكاء الاصطناعي لا يصنع قيمة بذاته، بل يضاعف القيمة الموجودة في عقلٍ يوجّهه. الكاتب الذي يرى بعيداً، والمحلل الذي يمتلك رؤية، والمفكر الذي يملك قدرة على ربط الأحداث، يزداد عمقاً حين يستخدم الذكاء الاصطناعي؛ لأن الأداة تمنحه سرعةً وكثافةً وقوةً في الإنجاز، وليس لأنها تحل محله في التفكير.

ثانياً: متى تتسرب القيمة إلى التقنية؟:

القيمة لا تتسرب إلى الذكاء الاصطناعي إلا حين يتحول الإنسان من «موجِّه» إلى «مُسلّم».. أي حين يتوقف عن إنتاج الفكرة، وينشغل فقط بنقل ما تقدمه له التقنية.

في هذه اللحظة، يصبح الإنسان مجرد قناة تمر عبرها مخرجات جاهزة، ولا مبدعاً يضيف، ولا ناقداً يصقل، ولا عالماً يبتكر.

وهذا ما يجعل بعض المخرجات الحديثة التي تعتمد كلياً على الذكاء الاصطناعي تبدو بلا روح: لأنها خالية مما يجعل العمل الإنساني عملاً ذا هوية.

إن القيمة التي يصنعها الإنسان لا تضيع باستخدامه للأداة، ولكنها تُفرغ من معناها عندما يتخلى عن دوره في التحكم بالمخرجات أو في صياغة غاياتها.

ثالثاً: الذكاء الاصطناعي يعمّق الفجوة بين المبدعين والعابرين:

في مراحل كثيرة من التاريخ، كانت الأدوات الجديدة تعطي الجميع فرصة متساوية في الظهور، لكن الذكاء الاصطناعي يقوم بعكس ذلك: فهو يعمّق الفجوة بين من يملك رؤية، ومن يعتمد على القوالب الجاهزة.

المستخدم المبدع يخرج من التجربة أقوى:

– لأن التقنية ترفع جودة إنتاجه.

– ولأنها تختصر له الوقت في التفاصيل.

– ولأنها تحرره من ثقل المهام المتكررة، ليبقى ذهنه متقداً في ساحات الابتكار.

أما المستخدم الذي يكتفي بالنقل، فيجد نفسه مع مرور الوقت أقل حضوراً، لأن الأداة قادرة على تقديم ما يقدمه وأكثر، دون هوية ودون بصمة. وهنا يتأكد أن القيمة ليست في استخدام الذكاء الاصطناعي من عدمه، بل في كيفية استخدامه.

رابعاً: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يملك قيمة مستقلة؟:

حتى اللحظة، الجواب العلمي والعملي هو: لا.

فالقيمة تحتاج إلى وعي، وإلى قدرة على اختيار الغايات، وإلى إحساس بالنتائج وآثارها. أما الذكاء الاصطناعي فهو منظومة حسابية، تستجيب لما يُطلب منها ضمن حدود البيانات والمعادلات.

مهما بلغت هذه الأنظمة من تطور، فهي لا تمتلك معنى ذاتياً، ولا أهدافاً مستقلة، ولا تصوراً أخلاقياً عن قيمة ما تنتجه.

وبذلك، فإن القيمة -كما يفهمها الإنسان- تبقى حكراً على الإنسان.

خامساً: معادلة العصر الجديد:

العصر الذي نعيشه لا يلغِي الإنسان، ولكنه يختبر قدرته على التميّز.

فالذكاء الاصطناعي ليس بديلاً، بل مكبّراً:

– يكبّر وضوح الرؤية عند صاحب الرؤية.

– ويكبّر الفراغ عند من لا يمتلك رؤية.

وهكذا، تصبح قيمة الإنسان اليوم مرهونة بقدرته على قيادة الأداة، وليس الخضوع لها.

القيمة في النهاية لا يصنعها الذكاء الاصطناعي، بل يصنعها الإنسان الذي يعرف ماذا يريد، ولماذا يريد، وكيف يوجّه التقنية لخدمته.

أما التقنية فلا تملك سوى أن تسرّع الطريق، وتوسّع حدود القدرة.

ويبقى السؤال الحقيقي الذي يجب أن يطرحه كل فرد على نفسه:

هل أستخدم الذكاء الاصطناعي لزيادة أفق وعيي وقدرتي؟ أم أتركه يصنع اسمي بدلاً من أن أصنعه أنا؟

بهذا نعرف أن القيمة تبدأ من الإنسان، وتعود إليه، وتُقاس بقدرته على أن يبقى هو «العقل»، بينما تبقى التقنية مجرد «أداة».


المصدر : وكالات

كورا نيو

أهلا بكم في موقع كورا نيو، يمكنكم التواصل معنا عبر الواتس اب اسفل الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى