72 ساعة فارقة وحارقة! – أخبار السعودية – كورا نيو

تسير المؤسسات والمنظمات في معالجة قضايا العملاء وخدمة المستفيدين مؤخرًا على منهجٍ واحد متداول في أغلبها، وهو استقبال الشكوى والرد عليها بشكل فوري وبصيغةٍ موحدة تطمئن العميل على وصول صوته. وبعدها، تظل الشكوى تحت مظلة الـ72 ساعة للمراجعة والمعالجة، وقد تتأخر إن استدعى الأمر التحقيق والتحقق، خاصة إذا كانت الشكوى تحمل معلومات متشعبة أو إجراءات غامضة ومربكة.
وفي هذه الـ72 ساعة، لنا أن نتخيّل مصير المؤسسة أو المنظومة إن لم يكن هناك حلٌّ إبداعي لمعالجة القضية؛ إذ سيؤثر ذلك على سمعة المؤسسة ومصيرها الإنتاجي. لذلك، من الضروري تصميم إجراءات مهنية ومراجعة آليات العمل خلال هذه المدة التي تشكّل عنصرًا حاسمًا في تجربة المستفيد، بما ينعكس مباشرة على الصورة الذهنية للمؤسسة التي سعت طويلًا لبناء سمعتها وكسب ثقة جمهورها ومستفيديها وعملائها.
واليوم، في عالمٍ تتغيّر فيه توقعات العملاء بسرعةٍ تضاهي تسارع الأسواق، أصبحت سرعة معالجة المشكلات عنصرًا حاسمًا في بناء الثقة، وتعزيز الولاء، وضمان استدامة المؤسسات. وتشير الدراسات إلى أن 72 ساعة تمثل نافذةً زمنيةً حرجة يمكن خلالها تحويل العميل الغاضب إلى عميلٍ وفي، أو خسارته إلى الأبد.
ولماذا أقول 72 ساعة؟ لأن هذا الإطار الزمني ليس رقمًا اعتباطيًا، بل هو معدلٌ مقبول عالميًا للاستجابة الاحترافية. فعندما يشعر العميل بأن صوته مسموع وأن مشكلته قيد المعالجة خلال ثلاثة أيام عمل، فإنه غالبًا ما يُبقي على علاقته بالمؤسسة ويمنحها فرصةً أخرى. أما التأخير أكثر، فقد يعني ضياع الثقة وفتح الباب أمام المنافسين. وكلما تقلصت الـ72 ساعة، زادت فرص المؤسسة في البقاء في سماء النجومية.
كما أن الاستجابة السريعة لحل المشكلات لا تنقذ صفقةً فحسب، بل تخلق سلسلةً من الانطباعات الإيجابية، وتحفّز العملاء على التوصية بالعلامة التجارية أو التعامل مع المؤسسة كمصدرٍ آمنٍ وموثوق. كذلك، فإن تقليل تراكم الشكاوى ينعكس إيجابًا على أداء الفرق الداخلية، ويزيد من كفاءة الموارد التشغيلية، ويعزز سمعة المؤسسة في السوق.
ولنا في منهج إحدى شركات التجزئة عبر الإنترنت خير مثال؛ فخدمة العملاء لديهم اختصرت الـ72 ساعة إلى ساعةٍ وأقل في المراجعة والتدقيق. فقد تستبدل الشركة المنتجات خلال 24 ساعة أو ترد المبالغ دون مماطلة، وهذه الثقة المتبادلة بين الطرفين ساهمت في ترسيخ مكانتها كاسمٍ رائدٍ في التجارة الإلكترونية.
كما أن إحدى شركات الأحذية تُعد نموذجًا آخر في نجاح علاقتها بعملائها ومستفيديها، إذ تعتمد على ثقافةٍ تنظيميةٍ إبداعية تقوم على عشر قيم رئيسية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بعلامتها التجارية. فالشركة تأخذ الثقافة المؤسسية على محمل الجد، ومن خلالها تمكّنت من تطوير ممارساتٍ إداريةٍ مبتكرة قادتها إلى رضا الموظفين والعملاء معًا، ما مكّنها من تحقيق نجاحٍ مستدام. ويعود أحد أسرار ذلك إلى إعادة تعريفها لمفهوم الـ72 ساعة، وتحويله إلى نموذجٍ للحَوْكَمة السريعة والمتميّزة، وفق إجراءاتٍ ومعايير قائمة على قيم خدمة المستفيدين بأسرع وقتٍ وأفضل طريقة.
وأذكر هنا حادثة أحد العملاء الذي ذكر أنه استبدل حذاءً بعد أشهرٍ من الاستخدام، دون أن يُسأل عن السبب، وهذه السياسة جعلت من الشركة مرادفًا للولاء والثقة.
ختامًا، أرى أن الـ72 ساعة في وقتنا الراهن مدةٌ لا تتناسب مع سوقٍ شديد التنافس وعالمٍ رقمي متسارع. فحل مشكلات العملاء خلال هذه الفترة لا يقتصر على إرضائهم فحسب، بل يمثّل حجر الزاوية في بناء مؤسسةٍ مرنة تنمو بثقة وتكسب احترام السوق. فالمؤسسات العظيمة لا تُقاس بخلوها من المشكلات، بل بطريقة معالجتها لها.
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات