95 عاماً من المجد.. وعقد من الريادة – أخبار السعودية – كورا نيو

لم يكن اليوم الوطني في المملكة يوماً عابراً على الذاكرة؛ فهو منذ تأسيس الدولة الأولى وحتى عهدنا هذا يرسّخ معنى الاستمرارية والهوية. غير أن اليوم الوطني الخامس والتسعين يحمل خصوصية مختلفة، إذ يتزامن مع مرور عقد كامل على تسلَّم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- مقاليد الحكم، ومعه بدأ وطن بأكمله يخطو نحو مرحلة جديدة من التحول التاريخي.
عقد واحد من عمر الزمن كان كافياً ليكشف عن حجم التحول السعودي؛ قصير بمقاييس الأعمار، لكنه طويل بمعايير الإنجاز، إذ أعاد الملك سلمان تثبيت ركائز الدولة، فيما أطلق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رؤيةً غيرت ملامح الاقتصاد والسياسة والمجتمع، وأعادت تعريف مكانة المملكة في العالم. وبين رسوخ القائد وحيوية صانع التحول، وُلدت حقبة سعودية لا تشبه ما سبقها، وصار اليوم الوطني محطة لمراجعة ما تحقق، أكثر من كونه ذكرى نستعيدها.
وقد تجلّى معنى الرسوخ في القيادة السعودية خلال هذا العقد بوضوحٍ استثنائي في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي تسلَّم مقاليد الحكم عام 2015 في مرحلة إقليمية ودولية دقيقة. واجهت المنطقة حينها تحولات غير مسبوقة: حروب، أزمات اقتصادية، تقلبات في أسواق الطاقة، وتبدلات في النظام الدولي. ومع ذلك، استطاعت المملكة أن تعبر هذه المرحلة الحساسة دون أن تهتز ركائزها أو تتزعزع مكانتها. لقد جسّد الملك سلمان معنى القيادة الراسخة، التي توازن بين صرامة القرار السياسي ومرونة بناء المؤسسات، فثبّت موقع الدولة داخلياً من خلال تعزيز الأنظمة القضائية والتشريعية، ودفع عملية الإصلاح الإداري، وإعادة هيكلة الوزارات بما يتلاءم مع متطلبات المرحلة. أما خارجياً، فقد حافظ على مكانة المملكة كدولة مرجعية في محيطها العربي والإسلامي، وقوة محورية في المعادلات الدولية. ولعل أبرز ما يميّز هذا العقد أن القيادة السعودية لم تنشغل بالاضطرابات المحيطة، بل جعلت من الاستقرار الداخلي قاعدة للانطلاق نحو التحول. فالمجتمع الذي يشعر بالأمان السياسي، والاقتصاد الذي يطمئن إلى استقرار مؤسساته، هما وحدهما القادران على الدخول في مشاريع تنموية كبرى دون خوف من الارتداد إلى الوراء. وهنا يتجلى معنى الرسوخ: أن تظل الدولة صلبة، حتى وهي تغيّر جلدها نحو المستقبل.
وفي موازاة هذا الرسوخ، برز ولي العهد الأمير محمد بن سلمان صانع التحول الوطني وملهم الرؤية التي كسرت أنماطاً تقليدية استمرت لعقود، فأعادت صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع، وفتحت أفقاً جديداً للمستقبل. لقد حمل الأمير محمد الرؤية من كونها مشروعاً اقتصادياً إلى أن أصبحت فلسفة وطنية شاملة، تُعيد تعريف معنى التنمية ذاتها، وتجعل الإنسان محوراً لها والاقتصاد وسيلتها والمكانة الدولية أفقها الأوسع. ولعل ما يميّز هذا التحول أن الأمير محمد لم يراهن على الخارج بقدر ما استند إلى الداخل، إلى سواعد أبناء الوطن الذين وصفهم بأنهم القادرون على مفاجأة العالم بإنجازاتهم. وهنا يتضح أن مشروعه التنموي لم يكن مجرد خطط رقمية، بل إيمان عميق بأن الموارد البشرية الوطنية هي الأداة الأولى للبناء، وهي الضمانة الحقيقية لتحقيق الطموح السعودي في موقعه الجديد بين الأمم. فبفضل جرأته في طرح الأسئلة الكبرى، وتحديه للتقليدي والمألوف، تمكن من وضع المملكة في قلب حوارات العالم حول الطاقة المتجددة، والذكاء الصناعي، والاستدامة، وصار اسم السعودية مقترناً بالطموح والتجديد. وهكذا بات التحول الذي يقوده ولي العهد ليس مجرد خطة زمنية، بل مسار يعيد رسم موقع المملكة في التاريخ والجغرافيا معاً.
اليوم الوطني لم يعد مناسبة لترديد الحكاية ذاتها؛ بل صار أشبه بميزان نقيس به أين كنا وأين أصبحنا. من «نيوم» إلى «البحر الأحمر»، ومن صندوق الاستثمارات العامة الذي أضحى قوةً تُعيد تشكيل خريطة الاقتصاد العالمي، إلى استضافة المملكة لكأس العالم 2034 بما يحمله من رمزية حضارية واقتصادية، تقدّم السعودية اليوم صورة جديدة عن نفسها: دولة لم تعد تكتفي بالمكانة الإقليمية، بل ترسّخت كقوة دولية تفرض حضورها في مسار الاقتصاد والسياسة والرياضة والثقافة معاً.
وعلى الصعيد الاقتصادي، برزت المملكة كلاعب عالمي جديد، إذ لم تعد تعتمد على النفط كمورد رئيسي، بل أطلقت سلسلة مشاريع تنموية واستثمارية وضعت صندوق الاستثمارات العامة في مصاف الصناديق السيادية الكبرى عالمياً، وجعلت السعودية مقصداً للشركات الدولية والابتكارات المستقبلية. ولعل ما يميز هذه المرحلة أن المملكة لم تعد مستهلكاً للتقنية فحسب، بل صارت ركناً مساهماً في صناعتها، فمن الطاقة المتجددة إلى الذكاء الصناعي، ومن البنية التحتية السياحية إلى المشاريع الخضراء التي تتقدم بها في المنتديات الدولية. هذه الإنجازات ليست مجرد أرقام على الورق، بل فلسفة جديدة ترى أن الثروة الحقيقية تُقاس بقدرة الدولة على تنويع مواردها وصناعة المستقبل لشعبها.
كما لم يكن التحول السعودي مقتصراً على الاقتصاد فحسب، بل امتد إلى بنية المجتمع ذاته، من خلال إصلاحات تاريخية في مجال حقوق الإنسان وتمكين المرأة. فخلال سنوات قليلة، انتقلت المملكة من صورة تقليدية إلى نموذج يحقق التوازن بين الأصالة والانفتاح، فسمح للمرأة بالقيادة والعمل والمشاركة في الفضاء العام، وأُنشئت أنظمة جديدة لحماية الحقوق، تعكس التزاماً حقيقياً بالمعايير الإنسانية الحديثة دون أن تفقد المملكة خصوصيتها الثقافية. هذه الإصلاحات لم تكن شكلية أو دعائية، بل جاءت ضمن مشروع شامل لتوسيع قاعدة المشاركة في التنمية، فالمجتمع المتوازن لا يُبنى بالاقتصاد وحده، وإنما بقيم العدالة والحقوق والفرص المتكافئة. وهكذا ارتبطت رؤية 2030 بمفهوم إنساني عميق: أن التنمية لا تتحقق إلا إذا كان الإنسان رجلاً كان أو امرأة في قلبها.
وتتجلّى هذه الرؤية في إنجازات كبرى باتت عناوين لمرحلة سعودية جديدة، فالإنجازات الكبرى، من نيوم التي تُعد مختبراً عالمياً للمستقبل، إلى مشروع البحر الأحمر الذي يعيد تعريف السياحة المستدامة، ومن تطوير الدرعية كهوية تاريخية حديثة، إلى استضافة المملكة لمحافل دولية كبرى مثل قمة العشرين، ثم دورها في جمع القوى الكبرى على طاولة واحدة في محادثات وحوارات شملت حتى المتخاصمين من الشرق والغرب كلها شواهد على أن التحول السعودي لم يعد شأناً محلياً، بل أصبح قصة ملهمة للعالم بأسره. لقد تحوّل اليوم الوطني إلى محطة يراقبها العالم، بوصفها معياراً لمدى التقدم في منطقة كانت تُقرأ سابقاً بعيون الآخرين، فأصبحت المملكة اليوم مرجعاً تقيس به المؤسسات الدولية تحولات الاقتصاد والاستقرار والسيادة الرقمية.
وكما لم يكن اليوم الوطني حدثاً عابراً على الذاكرة، فإنه في ذكراه الخامسة والتسعين يغدو نافذة على المستقبل أكثر من كونه عودة إلى الماضي. فمنذ 2015 وحتى اليوم، تغيّرت صورة المملكة في أذهان العالم، من دولة تعتمد على النفط إلى دولة تعيد تعريف مفهوم التنمية ذاته. وبين قيادة رسخت الاستقرار، ورؤية صاغت التحول، وُلدت حقبة جديدة، لا يُقاس فيها الوطن بما كان، بل بما سيكون. واليوم الوطني إذن ليس مجرد ذكرى، بل عقد اجتماعي جديد بين القيادة والشعب، يُجدد فيه السعوديون ثقتهم بأن مستقبلهم لن يُصنع بالصدفة، بل يُبنى بتخطيط إستراتيجي وجرأة استثنائية. 95 عاماً من المجد هي رصيد الماضي، أما عقد الريادة فهو وعد المستقبل، وفي هذا التلاقي بين المجد والريادة تُكتب القصة السعودية التي لن ينساها التاريخ.
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات