أخبار العالم

أزمة الحكم في فرنسا بعد إسقاط حكومة بايرو – أخبار السعودية – كورا نيو



تعيش فرنسا واحدة من أعقد أزماتها السياسية والاقتصادية في تاريخ الجمهورية الخامسة بعد سقوط حكومة فرانسوا بايرو في الجمعية الوطنية في الثامن من سبتمبر 2025، إثر فشلها في الحصول على الثقة بأغلبية 364 صوتاً ضد 194، ما دفعه إلى الاستقالة فوراً ليُدخل البلاد في مرحلة غير مسبوقة من عدم الاستقرار. ما جرى في قصر بوربون لم يكن حدثاً عابراً، بل كان نتيجة طبيعية لبرلمان متشظٍ منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة عام 2024، حيث عجز أي تيار عن حصد أغلبية مطلقة تُمكّنه من فرض استقرار سياسي، فانقسمت الجمعية الوطنية بين معسكرات متنافرة يقودها اليمين المتطرف بزعامة «التجمّع الوطني» واليسار المتطرف ممثلاً بحركة «فرنسا الآبية»، بينما تراجعت قوة الوسط الداعم للرئيس ماكرون، فتصدّر الخطاب الشعبوي المشهد على حساب أي رؤية إصلاحية عاقلة. في هذا المناخ المأزوم حاول بايرو أن يفرض خطته الإصلاحية القاسية لخفض العجز عبر إجراءات غير شعبية تضمنت تقليص الإنفاق وإلغاء بعض الامتيازات الاجتماعية، لكنه واجه جداراً صلباً من المعارضة داخل البرلمان وخارجه، ليكشف الانقسام العميق الذي أصاب المؤسسات الفرنسية. لم يكن رئيس الحكومة المستقيل بعيداً عن الحقيقة عندما وصف الوضع الاقتصادي بالكارثي؛ فالأرقام لا تكذب، إذ بلغ الدين العام نحو 3.3 تريليون يورو أي ما يتجاوز 114% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما ارتفعت كلفة خدمة الدين إلى مستوى قياسي بلغ أكثر من 67 مليار يورو هذا العام وحده، وهو ما يثقل كاهل الخزينة ويُحاصر قدرة الدولة على الاستثمار في أي خطط إنعاش اقتصادي. ورغم خطورة هذه المؤشرات فإن الطبقة السياسية الفرنسية تعاملت باستخفاف مع الأزمة المالية، غارقة في حسابات حزبية ضيقة وصراعات أيديولوجية تُغذّي الانقسام أكثر مما تُقدّم حلولاً، حتى بات العجز عن اتخاذ قرارات مصيرية حقيقة ملموسة. هذا الانسداد السياسي لا يهدّد فقط قدرة الحكومة المقبلة على إدارة الاقتصاد، بل يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الاحتقان الاجتماعي، إذ تستعد شرائح واسعة من المجتمع الفرنسي، بدعم من حركات احتجاجية ونقابات فاعلة، للنزول إلى الشارع في العاشر من سبتمبر في تظاهرات يتوقع أن تدفع البلاد نحو شلل اقتصادي واجتماعي. كل ذلك يضع فرنسا على عتبة أزمة حكم حقيقية، إذ ينهار التوازن بين المؤسسات وتتآكل الثقة بين الدولة والمجتمع، في وقت لم تعد فيه قواعد الجمهورية الخامسة قادرة على احتواء التعقيدات الراهنة أو تقديم آليات فعّالة لمعالجة الانقسامات السياسية والاقتصادية المتفاقمة. غير أن خطورة اللحظة لا تتوقف عند حدود فرنسا، إذ إن اهتزاز ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي ينعكس مباشرة على استقرار القارة بأسرها، ويطرح أسئلة عميقة حول مستقبل التكامل الأوروبي وقدرته على امتصاص تداعيات هذه العاصفة السياسية والمالية. من هنا، يبدو أن البلاد مقبلة على مرحلة استثنائية عنوانها الرئيسي فقدان اليقين، حيث يقف الفرنسيون أمام اختبار صعب بين مواصلة الدوران في دوامة الاستقطاب والتناحر، أو الشروع في إعادة صياغة العقد السياسي بما يضمن استعادة الاستقرار. الأزمة اليوم لم تعد أزمة حكومة فقط، بل أزمة نظام كامل، وأزمة ثقة عميقة بين الشعب ونخبه، ما يجعل الإجابة عن سؤال صلاحية الجمهورية الخامسة في مواجهة هذه التحديات ضرورة وجودية لمستقبل فرنسا وأوروبا معاً.

أخبار ذات صلة

 


المصدر : وكالات

كورا نيو

أهلا بكم في موقع كورا نيو، يمكنكم التواصل معنا عبر الواتس اب اسفل الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى