أخبار العالم

العلاقات الموريتانية – السعودية: جذور وجسور – أخبار السعودية – كورا نيو


تابع قناة عكاظ على الواتساب

بمناسبة الذكرى الخامسة والستين للاستقلال الوطني للجمهورية الإسلامية الموريتانية، التي تحلّ في 28 نوفمبر من كل عام، يسعدني أن أرفع أسمى التهاني إلى أبناء الشعب الموريتاني كافة، ولاسيما الموجودين في المملكة العربية السعودية، بهذه الذكرى المجيدة التي تجسد مسيرة تأسيس دولة راسخة، قوية بتنوع أعراقها، وغنية بموروثها العلمي والنضالي، ومسنودة بمواردها البشرية الكفؤة والطموحة. دولةٌ تمضي بثقة، بجهود مواطنيها، نحو ترسيخ العدل والأمن والاستقرار وتحقيق تنمية عادلة وشاملة.

وأتوجه بجزيل الشكر للمملكة العربية السعودية على ما يوليه خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين من عناية ورعاية للجالية الموريتانية التي يتجاوز عددها 20 ألف مقيم، يتمركز أكثر من ثلثيهم في المدينتين المقدستين. وتشهد الجهات السعودية المختصة على تميز هذه الجالية خُلقًا وانضباطًا وابتعادًا عن كل ما يخلّ بالمروءة والسلوك القويم.

ولا شك في أن بين الشعبين الشقيقين تقاطعًا تاريخيًا عميقًا؛ فالهجرات العربية القديمة، خصوصًا بعد انهيار سد مأرب، أسهمت في تشكيل البنية السكانية والثقافية في بلاد شنقيط. كما هاجرت مجموعات من قبائل بني حسان الجعفرية من منطقة نجد ضمن التغريبة الهلالية، واستقرّت في موريتانيا لتؤدي دورًا بارزًا في حياتها الاجتماعية والسياسية حتى اليوم.

وتبرز الشواهد الحضارية لهذا التقاطع في مظاهر عديدة يلحظها الزائر السعودي لموريتانيا أو الزائر الموريتاني للمملكة؛ من اللسان العربي الفصيح المتقارب بين البلدين، إلى التشابه في العادات والتقاليد، والصناعات الحرفية، والأسلحة التقليدية، ومنتجات الواحات، وأدوات الزينة، وآليات التنظيم الاجتماعي، وثقافة تنمية الإبل. وقد لاحظتُ خلال زياراتي للمتاحف والمعارض التراثية في المملكة تماثلًا لافتًا في التراث المادي وغير المادي، مما يبرهن على عمق الروابط التاريخية بالرغم من تباعد الجغرافيا وتنوع المؤثرات.

ومع قيام الدولة السعودية الثانية ثم الثالثة، استقر عدد من العلماء الموريتانيين في الحجاز بعد أدائهم مناسك الحج، وحظوا بتقدير كبير لعلمهم وأخلاقهم، وكان لهم إسهام معتبر في النهضة العلمية السعودية. وقد اكتسب كثير منهم الجنسية السعودية، وبقي لقب «الشنقيطي» إلى يومنا هذا رمزًا للعِلْم والقرآن حفظًا وتلاوةً وتفسيرًا، تقديرًا لإرث علمي مشهود.

ومنذ نشأة الدولة الموريتانية الحديثة عام 1960، اتسمت العلاقات الموريتانية – السعودية بالمودة والتعاون والتنسيق في المحافل الإقليمية والدولية. وكانت زيارة الملك فيصل بن عبدالعزيز –رحمه الله– لموريتانيا عام 1972 محطة تاريخية خالدة، حملت تقديرًا كبيرًا للشعب الموريتاني قبل انضمام موريتانيا لجامعة الدول العربية بعام واحد.

وقد استمر الدعم السعودي لموريتانيا سخيًّا ومتعدد المجالات، من الشؤون الإسلامية، إلى التعليم الجامعي والعام، ومن الصحة إلى الطرق والسدود والطاقة والمياه والزراعة. ويُعدّ حصول موريتانيا على المرتبة الثالثة بين أكثر من 100 دولة في حجم تمويلات الصندوق السعودي للتنمية دليلًا على المكانة الخاصة والاهتمام الكبير الذي توليه المملكة لموريتانيا، رغم محدودية عدد سكانها مقارنة بالدول الأخرى المتقدمة للتمويل.

وتشهد العلاقات بين البلدين منذ أعوام تطورًا متسارعًا تحت قيادة فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وقد انعكس ذلك على تنامي التمويلات السعودية، وتعزيز التنسيق السياسي في القضايا الثنائية والعربية والإسلامية والدولية. كما دأب خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد على الإشادة بالعلاقة المميزة مع «الشناقطة» في مختلف المحافل.

ومنذ مباشرتي لمهامي سفيرًا للجمهورية الإسلامية الموريتانية في المملكة في منتصف فبراير 2025، شهدت العلاقات حراكًا ديناميكيًا لافتًا؛ إذ زار فخامة رئيس الجمهورية المملكة مرتين، وأجرى مباحثات مهمة مع سمو ولي العهد، كما تبادل العديد من الوزراء في البلدين الزيارات الرسمية التي أسهمت في تحديث ملفات التعاون القطاعي. كذلك زار وفود من المستثمرين السعوديين موريتانيا، مما أضفى حيوية جديدة على مسارات التعاون.

ويعمل البلدان اليوم على تأسيس جيل جديد من الشراكات في القطاعات الحكومية والخاصة، بما يحقق مصالحهما المشتركة ويؤدي إلى نتائج ملموسة على التنمية في موريتانيا بوجه خاص. وتعزز الثقة بنجاح هذه الشراكات الإرادة الصادقة والمعبرة بوضوح عن قيادتي البلدين في توسيع وتنويع محفظة التعاون التنموي.

وتأتي كل ذكرى وطنية في البلدين لتؤكد أن العلاقات الموريتانية – السعودية تمضي في مسار متصاعد من التقدم والرسوخ، تجذرًا للماضي المشترك وبناءً لجسور المستقبل.

* سفير موريتانيا لدى المملكة


المصدر : وكالات

كورا نيو

أهلا بكم في موقع كورا نيو، يمكنكم التواصل معنا عبر الواتس اب اسفل الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى