القصة بالمختصر – أخبار السعودية – كورا نيو

الكيانات والمؤسسات والدول عبارة عن قصص حياة تبدأ من ولادتها ومراحل تطوّرها أو ذبولها، وكيف تشق طريقها بين الركام والعقبات والصعاب والوفرة والضيق والضعف والقوة والعوامل المحفزة أو المثبطة. كل قصة مشوّقة تكشف أسرار النجاح والفشل والتحدي والضياع بكل عناصرها ومفرداتها. كما يُبدع الشعراء المبدعون في شعرهم، يُبدع كتّاب القصة المتميّزون في سرد الرواية والفلسفة والمفاهيم التي نستمد منها العبر والصور الإنسانية والحياتية التي تغيب عن البعض، بل وقد تغيب عن أصحابها وأبطال القصة وغيرهم من مشاركين رئيسيين أو غير رئيسيين؛ لأنهم تحت الضغط وفي دوامة الحياة التي تدور بهم بقوة ودفع من الأحداث، يكادون يفقدون رؤية الأشياء القريبة منهم أو التي لديهم في رحلتهم لصنع حياتهم أو بحثهم عن الأفضل حسب قناعاتهم التي خلقتها البيئة التي عاشوا فيها، ولا يستطيعون الخروج عن سطوتها.
السؤال: هل هؤلاء – أو نحن – نصنع حياتنا؟ أم أننا في حقيقة الأمر نصنع ما هيأتنا الأحداث له؟ القدرات الجسدية والمكانة الاجتماعية وكثير من دقائق الأمور التي تكون أحداث القصة، نجدها إما موروثة أو نتاج بيئة بطل القصة نفسه. أي أن هذه المكونات لا فضلَ لبطلِ القصة فيها ولا يد له بها. إذن ما يصنع الفرق هو قدرة بطل القصة على الخروج عن الرتابة وما تمليه طبائع الأشياء. إذا بقي الإنسان حبيسًا لمحيطه وموروثه ورغباته، فلن تكون القصة ذات نهاية سعيدة، بل مثلها مثل الكثير من قصص الفشل والتلاشي والذبول التي لا يبحث عنها الجمهور ولا ترويها الأساطير. عندما يكون البطل مغرمًا بمدينته، فإنه يختزل العالم في مدينة. الإسكندر الذي بنى الإسكندرية بعيدًا عن مقدونيا، أراد أن يكون أسطورةً وبطلًا جبارًا تحترمه الجماهير والتاريخ فنظر لبعيد. والصورة المعاكسة للنجاح: قصة قائد جيش الاتحاد الأمريكي مكليلان الذي جهل القدرات المتوفرة لديه. هذا الفشل حدث بالرغم من أن مكليلان كان منظّمًا وكوّن جيشًا قويًا عُرف بجيش بوتوماك، غير أن عيب مكليلان الرئيسي كان ميله إلى المبالغة في تقدير قوة جيش العدو والتقليل من قوة جيشه. نتيجة لهذا التردد، خسر مكليلان فرصةً حاسمةً لتحقيق نصر كبير للاتحاد قد يغيّر مسار الحرب. وتسبّب تدخله غير الحاسم وتقديراته الخاطئة لقوة العدو في فشله، الأمر الذي أدّى إلى إقالته في نهاية المطاف.
فالفرق بين الأسطورةِ والفشلِ ليس في الظروف، بل في طريقة التفكير. الإسكندر لم يكن ليصير عظيمًا لو بقي يحلم داخل أسوار مقدونيا، بل صنع مجده بنظرته لما وراء الأفق، وبإيمانه بقدرته على تحدي المستحيل. بينما مكليلان، رغم كل إمكانياته، ظل سجين شكوكه، فكانت هزيمته من صنع يديه.
عندما لا يدرك الإنسان القوة التي لديه، ويسعى للبحث عن القوة بعيدةً عنه، تكون الهزيمة. الإنسان يهزم أولاً من داخله. إذن، أين تكمن القوة الحقيقية؟
في العقل الذي يرفض أن يكون صدى للظروف، وفي الإرادة التي تشق طريقها عبر رياح اليأس. القوة تكمن في تحويل الموارد – مهما بدت ضئيلة – إلى سلاح للانتصار. التاريخ لا يكتبه من ينتظرون الظروف المثالية، بل من يصنعونها بأنفسهم، حتى لو بدأوا من الصفر. إن القوة الحقيقية تكمن في الاختيار، لا في الظروف. في كل لحظة، هناك خيارات أمامه لا يجوز اختزالها في مكان ونوع وشكل وطريقة.
كل فرد وكل جماعة تستطيع أن تكتب قصتها بجرأة، ولا تتركها للظروف أو للآخرين. فالحياة ليست سوى رواية، يستطيع الفردُ أو الجماعةُ أن يجعلَا منها ملحمةً تُخلّد، أو مجرد صفحةٍ تُنسى.
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات