أخبار العالم

«اللا جدوى» تدفعُ أدباء للتوقف عن الكتابة – أخبار السعودية – كورا نيو



لا أثقل على مثقف، من دخوله دائرة اليأس، وشعوره بلا جدوى من الثقافة والكتابة، فيؤثر التوقف، حفاظاً على سلامته النفسيّة، واحتراماً لقارئ يريد من كاتبه؛ أن يحقق تطلعاته بالتعبير عنه بصدق وصراحة، ودون مواربة، في زمن انصرفت مجتمعات إلى مواقع التواصل الاجتماعي، والتطبيقات، وغدت القراءة عند معظمهم من الكماليات، عقب أن كانت ضرورة، وهنا محاولة استقصائية، لتشخيص المشكلة، وإبداء الرأي حيال هذه القضية، المؤرقة لكُتّاب؛ وقُرّاء؛ لا يودون خسارة كاتبهم، على أن يستمر بذات اللياقة، وقوّة الطرح.

فترى الناقدة الدكتورة كوثر القاضي، أن المبدع يشعر أحياناً بعدم جدوى ما يفعل، فينزوي ويعتزل النَّاس ويتخلّى عن إبداعه، لأسباب عدة، عدّت منها عدم التقدير، إذ لا يجد من يقوِّم عمله ويقيِّمه ليغدو أفضل، وربما يكون أخفق في تسويق عمله الإبداعي، وأضافت القاضي: لربما تكون المشكلة في البيئة المحيطة غير المشجِّعة، على مستوى مؤسسات وجمهور؛ فالمؤسسات لها حساباتها الخاصة، وربما تغلب عليها العلاقات والمحسوبيات، مؤكدةً أن استمرار المبدع الحقيقي في الزمن المليء بالأدعياء يشكِّل تحدياً كبيراً وصراعاً مريراً بين ما يريد وما يراد له.

فيما عدّ الكاتب سهم الدعجاني السؤال مرعباً، وتساءل: إن كانت «قناعة»، فهل يعقل أن يصل الكاتب إلى «قناعة»؟! أم أنها مجرد ظن وتوجس أو حيرة بعدم جدوى الكتابة؟! ولفت الدعجاني إلى أنّ السؤال صادم، لأننا لوسألنا: هل يصل الطبيب، أو المهندس، أو الأخصائي النفسي، أو أستاذ الجامعة، أو المعلم، أو المصلح الاجتماعي، أو الفيلسوف إلى قناعة بعدم جدوى دوره في الحياة وأهميته في الوجود؟

وقال: أنا لا أقارن «الكتابة» بالأدوار المهمة في حياة البشر، إلا أنني على قناعة تامة بأن «الكتابة» في المجتمعات المتحضرة رسالة!!، وليست مهمة فقط، موضحاً أن اعتزال الكاتب للكتابة بشكل مؤقت لأي سبب، خيار خاص، إذ كم توقف عدد من المبدعين عن الكتابة منهم الروائي الطيب صالح، ونجيب محفوظ وغيرهما كثير، وأضاف: لربما يكون «التوقف» المؤقت عن الكتابة للتعبير عن الرفض أو الاحتجاج، مشيراً إلى أن الكتابة ضرورة حياتية مثل التنفس، ومتعة تدفع الكاتب للاستمرار في مزاولتها، وتنعكس على أداء الجسد، وقبل ذلك وبعده مساهمة حضارية في بناء الوعي، وتصل أحياناً إلى أن تكون تسلية غير مطروقة وغير مخطط لها، وقد يكون «الكم» هاجس البدايات، لكن مع مرور الوقت يصبح «الكيف» هو سقف الإبداع.

وأكد الدعجاني، أنه لو وصل كبار الفلاسفة والكتاب العظماء وعمالقة الإبداع العالمي، إلى هذه القناعة؛ فكم كنا سنفقد، من شمس الحضارة ونور اليقين الذي ننعم به جميعاً في عصرنا الحاضر؟ ويرى أنه بفضل عدم التخلي عن الكتابة، والاستمرار في العطاء، فنحن ما زلنا حتى اليوم نقرأ لسقراط الذي لم يتوقف، وابن خلدون الذي لم يتوارَ، والمتنبي الذي صارع وحارب من أجل الخلود!!!

ويذهب الناقد الدكتور عادل خميس، إلى أن من الأسباب للتوقف؛ ألا يستطيع أن يقول ما يريد. مهما كان السبب وراء ذلك، وألّا يجد في نفسه شهيةً تدفعه للكتابة، وإن كتب فلا يشعر بطعم ما كتب، لأنه يكون بلا طعم ولا رائحة، مثل طعام المريض. وتساءل خميس: لماذا لا أكتب ما أريد؟ وكيف يمكن ألا أكون قادراً على كتابة ما أريد؟ ويجيب: تتشعب الإجابة هنا بين الموانع المختلفة في طبيعتها: نفسية كانت أو اجتماعية، والثاني مرتبط بالأول ربما، وأضاف: ويمكن تلخيص الإشكال؛ في فقدان المعنى، من تكبد العناء، ومن خوض الغمار، ومن المقاومة بالكلمات. وعدّها مرحلة حساسة إذ لو بلغ كاتب ما، مرحلة لا يرى فيها أي معنى لما يفعل فهذا يعني أنه يصل لحافةٍ خطيرة، لا يبقى معها سوى أن يقفز سحيقاً نحو قيعان اليأس. ولفت إلى أنه لو شعر الكاتب بلا جدوى ما يفعل، وأن كلماته صارت مجرد صوت تائه في الفراغ، وأنه يتحدث لغة لم يعد يفهمها العالم من حوله، فستنطفئ النار في جوفه، ويختار الصمت.

ويرى الشاعر فريد النمر أنّ الكاتب المشتغل بالكتابة والمثاقفة العالية عبر منظومة الفكر والثقافة والأدب يكتب لأنه يزيح عن كاهله المعرفي كل هذا المخزون الذي يراه في الكتابة، وعدّ الكتاب مختبراً لمادة خام يحولها لمواد تلقي للأقل معرفة، باعتباره امتداداً طبيعياً مفهومياً ينمو عبر أزمنة الحياة، موضحاً أن كتاب الحيوان للجاحظ مثل حاضر بكل تقاناته المعرفية والأدبية، كما هي كتابات مالك بن نبي والجابري وغيرهما ممن كتبوا الأفكار العميقة المؤثرة التي جابت الأقطار بتناولها المعرفي، وأكد النمر أنّ الذين يتوقفون هم من يمارسون الكتابة الانتقائية الملتقطة وغير المركزة بمفهوم المعادلات الموضوعية والمحتوى لأنّ فاقد الشيء لا يعطيه.

ويؤكد الشاعر ظافر الحجري، أن أسئلة ما الجدوى من الكتابة؟ هل يُمكن أن تتوقف؟ لماذا نكتب؟ مما يُفكّرُ شخصيّاً فيها، وقال: وكي أكون مهذباً وَحذراً ما أمكن حين أغلق المكان والزمان، وأقف عند هاوية رحيمة، أقصد الكتابة بين نزع خطاطيف سيوران المغروزة في جلد الكتابة حين قال: ‏«أكتب لأنني لا أستطيع أن أقتل نفسي»، وَبين قرع مطرقة نيتشه على هامة، الوجود: «الكتابة ليست للضعفاء» وَبين تقشير ملامح مسخ كافكا، حين قال: «الكتابة صلاة بائسة في زنزانة».

‏وعدّ الحجري الكتابة اعتراضاً صامتاً على الوجود، وقطعاً مُتخثرة تخرج من كاتب لتصبح قطرة، وأضاف: الأصحاء لا يكتبون. مشيراً إلى أنّ الجدوى من الكتابة، أشبه ببقعة باردة في جوف الدخان، وإن كان لكل كاتب نافذته التي ثقبها في جداره، ليرى ما يراه من خلالها، ويبصر معناه، وعدّ اللا جدوى وحشاً صغيراً يمكث في الأسفل ينتظر لقمته. وأضاف: من يكتب يبصر شيئاً، وتوقف لالتقاط ما أهمله غيره، وعدّ صرخة الميلاد، الكتابة الأولى. والكتابة تفسير لحُلم مُزعج، يُفكر أن يكون يقظة مُشتهاة لكُل العابرين.

أحمد بوقري: «اللا جدوى» سببها أزمة ذاتية قاسية

يحدث أن يدخل الأديب في فترة صمت أدبية إرادية (كما فعل نجيب محفوظ إثر الثلاثية)، ومن ثمّ يستأنف الكتابة بشكلٍ تجديدي آخر بعد الخروج من مراجعات ضرورية ومهمة على المستوى الذاتي والموضوعي، والإبداعي.

ويحدث أن يتوقف عن الكتابة لأسباب خارجة عن إرادته كأن يمنع، أو يهدد في حياته من قبل قوى متطرفة، كما حدث للمفكر نصر حامد أبو زيد وغيره، وتظل جدوى الكتابة لديه قوة دافعة مقموعة، سرعان ما تتدفق من جديد حال انتهاء أسباب التوقف.

ولفت إلى أنه لربما يدخل الأديب في منعطف أزمة ذاتية قاسية؛ تنتج من مؤثراتها حالة قطيعة لا رجعة فيها، إلى الكتابة، إما لجفاف ينابيع الكتابة والإبداع، أو تغيير في قناعاته وانقلابها الجذري ضد فعل الكتابة وجدواها لديه، كما حدث لبعض المبدعين أكان في مستواها المُطلق أو النسبي..

ويرى الخطورة في ناتجها؛ من حالة طمس مؤلمة بين ماضي الكاتب وحاضره الجديد، وما ينتقل من ضفة إلى أخرى في الممارسات الحياتية اليومية منفصمة العُرى عن سابقاتها، كما حدث للشاعر المُحتجب محمد عبيد الحربي.. وغيره، وهنا تنتفي جدوى الكتابة لديه بالمطلق.

بالنسبة لي شخصياً أستطيع أن أقول عقب أربعين عاماً من الكتابة لم أشرف بعد على لحظة التفكير في التوقف عن الكتابة أو لا جدواها وإن فكرت في التوقف قليلاً، من أجل التقاط الأنفاس وتأمل الحالة الإبداعية، كي أستعيد لحظة متجددة للفعل الكتابي والإبداعي وخلق حالة جديدة.

وأكد أنه يمر حالياً بمرحلة انعطاف نحو كتابة إبداعية مغايرة تتمثل في كتابة: (الرواية) ما يعني أن كتابة النقد، والقصة القصيرة، تعانيان فعلاً متقطّعاً فيظن المتابع أنه توقف عن الكتابة.

ويؤكد أن التوقف النهائي لن يأتي إلّا من قوة عليا مطلقة عند الرحيل..! وليس من ذاته كون يجد في الكتابة حياة أخرى ومن خلالها يتنفس ويتواصل مع الآخرين ويستمتع بمعنى الوجود، والحضور في قلب الزمن والكينونة.


المصدر : وكالات

كورا نيو

أهلا بكم في موقع كورا نيو، يمكنكم التواصل معنا عبر الواتس اب اسفل الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى