النظام العالمي الجديد وملاحقة المتورطين بدماء غزة – أخبار السعودية – كورا نيو

ما تشهده غزة من تدمير وتجويع وترويع بغرض الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتهجير أمام شلل تام للقانون الدولي وعجز مطلق لمنظمات الأمم المتحدة يعني شيئاً واحداً، ضمن ما يعني من أشياء، هو أن النظام العالمي الحالي يتآكل ويضمحل بسرعة. وأن الفوضى الناجمة عن الحروب العبثية في غزة ومنطقتنا، والفوضى العالمية الناجمة عن العربدة الصهيونية الاستعمارية الغاصبة لفلسطين مدعومة بكل أنواع الدعم من العواصم الغربية ذات التاريخ الاستعماري، تدفع بقوة مع الصراع في أوكرانيا والحروب الاقتصادية والتجارية، باتجاه تدهور النظام العالمي الأحادي القطب الحالي لصالح نظام عالمي جديد.
النظام العالمي الذي تشكّل إبان الحرب الباردة بقيادة الولايات المتحدة يرتكز على العولمة، والتجارة الدولية، وفاعلية منظومة الأمم المتحدة، والمؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدولي، هو الآن يواجه تحديات جمة؛ فمن ناحية تتراجع الهيمنة الأمريكية مع الصعود الصيني، والمواقف الروسية الأكثر جرأة.
بجانب مؤشرات كثيرة على تفكك التحالفات الغربية، وتوترات متنامية داخل الناتو، فضلاً عن خلافات أوروبية مع أمريكا، بجانب بروز الأزمة الشرعية المتمثلة في عدم فاعلية الأمم المتحدة ومجلس الأمن في النزاعات الكبرى على غرار أوكرانيا، غزة، سورية.
لقد أسهمت الأزمات العالمية المتكررة، مثل جائحة كورونا، وأزمة سلاسل الإمداد، وأزمات الغذاء، والحروب المتزايدة في إضعاف بنية العولمة التي تعتبر واحدة من عصب النظام العالمي الحالي، إضافة إلى تآكل الدولار كنظام مالي عالمي مهيمن، مع كثرة محاولات الاستغناء عنه في التجارة من قبل دول مثل الصين وروسيا ومجموعة البريكس.
لم يتبلور النظام العالمي الجديد بشكل كامل، غير أن السيولة التي تتّسم بها العلاقات الدولية، والتصدّعات التي تشهدها كثير من التحالفات التاريخية التقليدية، تعني أننا في مرحلة انتقالية يتزامن معها أفول نظام وتشكّل نظام جديد.
من أبرز ملامح التوازنات الجديدة للنظام العالمي الجديد: تعدد الأقطاب، فلم تعد أمريكا القطب الوحيد، مع صعود واضح للصين، وتحركات روسية، ونفوذ متزايد للهند، وتركيا، والبرازيل. كما أن مجموعة البريكس (BRICS): توسع التكتل ليشمل دولاً مؤثرة (مثل السعودية، إيران، مصر، الأرجنتين)؛ بهدف بناء نظام اقتصادي بديل. إضافة إلى الانقسام الرقمي والجيوسياسي، فالعالم يتجه نحو «عولمة مجزّأة»، أمريكا وأوروبا مقابل الصين وروسيا، على غرار ما كان سائداً خلال فترة الاتحاد السوفييتي. صعود تيارات السيادة الاقتصادية بدلاً عن الانفتاح المطلق، بجانب محاولات بعض الدول كسر المركزية الغربية في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وسلاسل التوريد، والعملات الرقمية.
العالم يمر الآن بمرحلة انتقالية بين نظام عالمي يتآكل وآخر يتشكّل، فالقديم لا يزال قائماً، والجديد يتشكّل، أخطر ما في هذه المرحلة أنها مرشحة في أي وقت لنشوب حرب عالمية ثالثة خاصة ممن يستميتون للإبقاء على الامتيازات العسكرية أو الأمنية أو الاقتصادية أو السياسية.
ختاماً، جميع الجرائم التي ارتكبت خلال حقبة هذا النظام العالمي أحادي القطب، والتي أفلت أصحابها حتى الآن من العدالة والعقاب، خاصة الجرائم والفظاعات التي ارتكبها الاستعمار الصهيوني في فلسطين، يجب أن تكون أولوية يُبنى عليها ويُؤسس النظام العالمي الجديد.
لا بد من تأسيس محاكمات خاصة بالنازيين الفاشيين الصهاينة في فلسطين، وفي كل مكان، على غرار محاكمات نورمبرغ، لملاحقة المطلوبين حالياً من محكمة العدل الدولية والجنايات الدولية، وملاحقة كل من أسهم باحتلال أرض فلسطين أو دعم تأسيس هذا الكيان المجرم بمن في ذلك الحكومات الغربية الاستعمارية. وهذا يتطلب من الآن الاستعداد والعمل على هذا المشروع بكل ما يتطلبه من متابعات للنازيين الفاشيين الصهاينة المحتلين في فلسطين وخارج فلسطين، فبدون هذه الخطوة سوف لن يستفيد الشعب الفلسطيني ولن تستفيد الدول العربية من النظام العالمي الجديد مع حضور قوى إقليمية وعالمية جديدة مؤثرة وتتمتع بأخلاق وقيم محترمة، خلافاً للنظم الاستعمارية الغربية.
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات