«تاريخ النقد.. وعمره الذي انتهى !» – أخبار السعودية – كورا نيو

مع الحديث عن الانحسار المستمر عن استخدام النقد في التعاملات التجارية واستبداله التدريجي بالمعاملات الرقمية قد يكون من المفيد الرجوع إلى تاريخ التعاملات النقدية في حياة البشر.
يُعد تاريخ النقد المالي رحلة طويلة ومعقدة تعكس تطوّر المجتمعات البشرية واقتصاداتها. لقد مرت النقود بمراحل أساسية عدة، من المقايضة البسيطة إلى العملات الرقمية المعاصرة. إليك أبرز محطات هذا التاريخ:
1- مرحلة المقايضة (التبادل السلعي):
في المجتمعات القديمة، كان التبادل يتم بشكل مباشر عن طريق المقايضة. يقوم الأفراد بتبادل السلع والخدمات التي يمتلكونها بما يحتاجون إليه. على سبيل المثال، يمكن لشخص يمتلك قمحاً أن يتبادله مع آخر يمتلك ماشية.
عيوبها: كان هذا النظام يعاني من مشكلة «توافق الرغبات»، حيث كان يجب أن يكون لدى كل طرف ما يريده الطرف الآخر في الوقت نفسه. كما كان من الصعب تقدير قيمة السلع بشكل دقيق.
2- النقود السلعية:
للتغلب على مشاكل المقايضة، بدأت المجتمعات في استخدام سلع معينة تتمتع بقيمة جوهرية ومقبولة بشكل عام كوسيط للتبادل.
أمثلة: استخدمت العديد من السلع كنقود، مثل الماشية، الحبوب، الأصداف (خاصة في المناطق الساحلية)، الملح، والجلود.
ميزاتها: كانت هذه السلع متينة ومحمولة ولها قيمة ذاتية، مما سهّل عملية التبادل.
3- النقود المعدنية:
مع ازدياد حجم التجارة وتعقيدها، انتقل الناس إلى استخدام المعادن وسيلةً للتبادل.
النشأة: ظهرت أول عملة معدنية معروفة في مملكة ليديا (جزء من تركيا الحالية) حوالى عام 600 قبل الميلاد. كانت هذه العملات مصنوعة من «الإلكتروم»، وهو خليط طبيعي من الذهب والفضة.
التطوّر: انتشرت فكرة صك العملات المعدنية في اليونان القديمة ثم الإمبراطورية الرومانية، حيث كانت العملات تُختم بصور الملوك أو رموز الإمبراطوريات لضمان قيمتها. كانت العملات المعدنية تتميّز بكونها سهلة النقل والتخزين، وقابلة للتجزئة، وذات قيمة مستقرة نسبياً.
4- النقود الورقية:
شكّلت النقود الورقية نقلة نوعية في تاريخ المال.
الأصل: يُعتقد أن الصين كانت أول من استخدم النقود الورقية في عهد سلالة تانغ (618-907 م) لتسهيل التجارة، خاصة للتجار الذين كانوا يحملون كميات كبيرة من العملات المعدنية.
الانتشار في أوروبا: تأخر انتشار النقود الورقية في أوروبا حتى القرن السابع عشر. تمثلت أولى أشكالها في سندات دين يصدرها التجار أو البنوك، وكانت تُستخدم بديلاً لحمل كميات كبيرة من الذهب والفضة. أول عملة ورقية طبعها مصرف في ستوكهولم بالسويد عام 1660، ولكنها لم تكن تجربة ناجحة في البداية.
الضمان: أخذت النقود الورقية قيمتها من وعد الحكومة أو البنك المركزي بتحويلها إلى قيمة حقيقية (مثل الذهب أو الفضة) عند الطلب، وهو ما عُرف بنظام غطاء الذهب. لاحقاً، تخلت معظم الدول عن هذا النظام، وأصبحت قيمة العملة تستمد من ثقة الأفراد في الحكومة التي تصدرها (النقود الإلزامية).
5- النقود الرقمية والعملات المشفرة:
في العصر الحديث، خاصة مع ثورة الإنترنت، ظهرت أشكال جديدة من النقد.
البطاقات الائتمانية والمدفوعات الإلكترونية: سهّلت هذه الأنظمة المعاملات المالية، وقللت الاعتماد على النقد المادي (المعدني والورقي).
العملات الرقمية المشفرة: مثل البيتكوين، وهي عملات لا مركزية وغير خاضعة لرقابة أي جهة حكومية أو مصرفية. تعتمد على تقنية «البلوك تشين» لتأمين المعاملات. تمثل هذه العملات أحدث تطور في تاريخ النقد، وتثير تساؤلات حول مستقبل الأنظمة المالية التقليدية.
باختصار، يمكن تلخيص تطوّر النقد في انتقال تدريجي من نظام يعتمد على القيمة الجوهرية للسلعة (المقايضة والنقود السلعية والمعدنية)، إلى نظام يعتمد على الثقة والوعد بالقيمة (النقود الورقية)، وصولاً إلى الأنظمة الرقمية التي تعتمد على التكنولوجيا لضمان المعاملات.
مع دخول التعاملات الرقمية والعملات المشفرة تدخل البشرية عصراً جديداً ومثيراً من التعاملات غير المسبوقة ستجعل تحدي اكتساب الثقة مسألة جديرة بالاهتمام.
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات