حين أشرقت الصورة الأولى.. كان سليمان الصالح هناك – أخبار السعودية – كورا نيو

رحم الله الشيخ سليمان بن عبدالرحمن الصالح، الرجل الذي مضى في هدوءٍ يليق بالكبار، وترك خلفه سيرةً تُروى بفخر، لا بضجيجٍ ولا ادعاء. كان -رحمه الله- من أولئك الذين يصنعون الأثر بصمت، ويؤمنون أن العمل عبادة، وأن خدمة الوطن رسالة تتجاوز حدود المنصب والموقع.
منذ بدايات البث التلفزيوني في المملكة، يوم 9 ربيع الأول 1385هـ الموافق 7 يوليو 1965م، كان اسمه حاضرًا في المشهد الأول، أول مدير لتلفزيون الرياض، وأحد الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية إيصال الصورة الأولى للوطن إلى أبنائه والعالم. في زمنٍ كان التأسيس فيه مغامرة، والإمكانات محدودة، لكنه بحكمته وإيمانه بالمهمة جعل من الشاشة منبرًا للوعي والهوية والانتماء.
عمل تحت توجيهات الملوك المؤسسين، من عهد الملك سعود -رحمه الله- حتى عهد الملك فيصل -رحمه الله، بإشراف معالي الشيخ جميل الحجيلان، فأسّس فرق العمل، واختار الكفاءات، وبنى من اللاشيء جهازًا إعلاميًا وطنيًا ناضجًا. ومن تلك اللحظة، ارتبط اسمه ببدايات الصورة السعودية الأولى، التي لم تكن مجرد تقنية، بل انعكاسًا لروح وطنٍ صاعد.
ثم مضى إلى ميدان الإدارة والخدمة العامة حين تولّى أمانة العاصمة الرياض، في زمنٍ كانت المدينة تنمو وتتمدّد بسرعة، فكان -كما عرفه كل من عمل معه- إداريًا صارمًا في الحق، نزيهًا في قراراته، يرى في كل تفصيلٍ مسؤولية، وفي كل مشروعٍ أمانة. شهدت الرياض في فترته بدايات التحوّل الحضري المنظم، وتأسست فيها اللبنات الأولى لعاصمةٍ حديثةٍ تليق بمكانة المملكة.
لم يكن يسعى إلى الوجاهة، بل إلى الإتقان. ولهذا ظل اسمه رمزًا للالتزام والانضباط والولاء الصادق لوطنه وقيادته.
وحين انتقل إلى عالم الاقتصاد، حمل معه ذات الروح، فأسس عام 1977م شركة «هلا العربية» لتكون كيانًا سعوديًا رائدًا يجمع بين الإدارة الرشيدة والرؤية الاستثمارية البعيدة. توسعت الشركة في مجالات النقل والخدمات اللوجستية والصناعة، وظلت شاهدةً على عقلٍ إداريٍّ يُوازن بين الطموح والواقعية، وبين الربح والمسؤولية الوطنية.
كان -رحمه الله- صاحب رؤية مالية ناضجة وشهادةٍ علمية من إحدى الجامعات الأمريكية المرموقة، جعلت منه مستشارًا موثوقًا لعددٍ من البنوك المحلية والدولية. لم يكن رأيه يُطلب إلا لثقةٍ في علمه وخبرته، وكان حضوره في المجالس الاقتصادية محل تقدير الجميع.
وتقديرًا لمسيرته ووطنيته، اختير بأمرٍ سامٍ عضوًا في مجلس الشورى، فكان صوته صوت الحكمة، ورأيه رأي التوازن والخبرة، مؤمنًا بأن المشاركة في القرار الوطني شرفٌ ومسؤولية في آنٍ واحد.
رحل الشيخ سليمان الصالح، بعد أن ترك أثرًا لا يُمحى في الإعلام والإدارة والاقتصاد.
رحل جسدًا، وبقيت روحه في كل صورةٍ أشرقت على الشاشة، وفي كل شارعٍ من شوارع الرياض، وفي كل مشروعٍ وطنيٍ حمل بصمته.
كان -رحمه الله- من الذين لم يطلبوا المجد، لكن المجد جاءهم؛ ولم يسعوا للظهور، لكن أضواء إنجازاتهم كشفت عنهم.
نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يجعل ما قدّمه لوطنه في ميزان حسناته، وأن يخلّد ذكره بين الرجال الذين صنعوا فجر هذا الوطن بعملٍ صادقٍ وإيمانٍ لا يلين.
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات



