أخبار العالم

حين يصبح الأمن علماً.. لا ردة فعل – أخبار السعودية – كورا نيو



لم يعد الأمن في السعودية محصوراً في مشهد رجل الدورية أو مركز البلاغات؛ بل أصبح علماً دقيقاً تُدار به المدن، وتُقرأ من خلاله سلوكيات الناس، وتُبنى عليه القرارات قبل أن تقع الحوادث.

المفهوم الأمني الجديد الذي يتشكّل أمامنا اليوم لا يقوم على «المكافحة» بقدر ما يقوم على «الوقاية»، وعلى الانتقال من ردة الفعل إلى التفكير الاستباقي.

من يتأمل في المشهد الأمني في كافة المحافل يدرك أن ما يجري لم يعد مجرد تطوير إداري، بل هندسة وطنية للعقل الأمني السعودي. فغرف العمليات لم تعد تراقب الحوادث فحسب، بل تحلل أنماطها، وتُنتج خرائط حرارية تحدد مواقع الاختناق المروري، ومناطق تكرار الجرائم، وحتى تحركات المتسولين، في وقت باتت فيه الكاميرات والذكاء الاصطناعي تتكاملان مع قواعد البيانات المدنية لتصنع صورة شاملة للحياة اليومية في المملكة.

هذا التحول من «الرؤية المجهرية» إلى «الرؤية الموحدة» هو ما جعل المنظومة الأمنية السعودية واحدة من أكثر المنظومات تقدماً في المنطقة، ليس لأن أجهزتها التقنية متطورة فحسب، بل لأن خلفها عقولاً سعودية صرفة هي التي تبني وتبرمج وتُشغل.

وفي الوقت الذي يتحدث فيه العالم عن الذكاء الاصطناعي كفكرة مستقبلية، كانت المؤسسات الأمنية السعودية تُطبّقه واقعياً من عدة أوجه:

فمن تحليل الصور في قضايا المرور، إلى التنبؤ بمناطق الكثافة قبل حدوث الازدحام، إلى مراقبة السلوكيات المريبة في الميادين العامة، بل وحتى في تتبع الأنماط التي تشير إلى نشاطات التسوّل أو الجرائم الرقمية.

كل هذه العمليات لا تعتمد على «التصادف»، بل على الخوارزميات التي تتعلّم من البيانات وتُقدم حلولاً واقعية تسند القرار الأمني في لحظته.

ومن الملامح المضيئة في هذه المنظومة، الحضور النسائي المتنامي في غرف العمليات وفي تحليل البيانات.

المرأة السعودية اليوم ليست على الهامش الأمني، بل في قلب النظام التقني الذي يربط بين الميدان والتحليل، تراقب وتُحلّل وتشارك في اتخاذ القرار، في مشهد يعكس حجم التحول الثقافي والمهني الذي تعيشه البلاد.

بهذا المفهوم الجديد، لم يعد الأمن ردّ فعلٍ على الجريمة، ولا المرور رد فعل على الازدحام، بل أصبح نظاماً معرفياً متكاملاً يرى الحدث قبل وقوعه ويعالج سببه قبل أن يتحول إلى مشكلة.

وأنا أكتب هذه السطور، أدرك أن كلمة «الأمن والأمان» التي نتداولها منذ عقود ليست مجرد شعار جميل، ولا صدفةً تاريخية، بل ثمرة مسار وطنيٍ طويل بدأ قبل التحول التقني، واستمر حتى صار الأمن اليوم علماً دقيقاً يُدار بالعقل السعودي.

لم يكن الأمان في هذا الوطن حالةً عابرة، بل كان قراراً إستراتيجياً تبنّته الدولة مبكراً، وتعاملت معه كقيمة وجودية لا كوظيفة مؤقتة.

ما يحدث اليوم في منظومة الأمن العام ليس مشروعاً تقنياً فحسب، بل انعكاس لفلسفة وطنٍ اختار أن يُدير أمانه بعقله، ويصنع مستقبله بيده.

لهذا، حين يُقال إن الأمن السعودي مختلف، فليس لأنه أكثر صرامة، بل لأنه أكثر نضجاً، وعلماً، وثقةً في ذاته.

أخبار ذات صلة

 


المصدر : وكالات

كورا نيو

أهلا بكم في موقع كورا نيو، يمكنكم التواصل معنا عبر الواتس اب اسفل الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى