رحلة الدبابات.. مع إيلون ماسك العرفج وباقي الأحبّة! – أخبار السعودية – كورا نيو
ليست كلّ الرحلات متشابهة، فبعضها يُشبه نسمة بحرٍ تمرّ وتغيب، وبعضها يبقى في الذاكرة كلوحةٍ من ضوءٍ وموسيقى وأرواح. ورحلتنا إلى مسندم كانت من النوع الثاني؛ تلك التي تترك في القلب بصمة لا تُمحى، لأنّها لم تكن مجرّد تنقّل على الدبابات بين الجبال والبحر، بل كانت رحلة في المعنى، رحلة مع نخبة من الرفاق الطيبين الذين يجمعهم حبّ المغامرة والفكر والابتسامة.
كنا مجموعةً متنوّعة الملامح والخبرات، جمعتنا الهواية وربطتنا الصداقة، وساقتنا الدراجات النارية إلى أفقٍ بعيد حيث تتعانق الجبال العُمانية مع زرقة الخليج العربي. كانت رياح الصباح تلامس وجوهنا ونحن نعبر المنحنيات كأنها أغنية حرية تُنشدها الطبيعة نفسها. وفي مقدمة القافلة كان الدكتور أحمد العرفج، بروحه الطفولية الجادّة، يملأ المكان حيويةً وفكاهةً وفكراً في آنٍ واحد.
عرفت الدكتور أحمد العرفج قبل الرحلة من خلال برامجه وكتاباته، لكنّ لقائي به على الطريق كشف لي عن شخصية فريدة تستحق أن تُدرّس. رجل يملك قدرة نادرة على تحويل أبسط المواقف إلى دروسٍ في الحياة، يجمع بين المرح والعمق، وبين الفكر والإنسانية، وكأنه يمارس فلسفة عفوية تُعيد للمحتوى العربي هيبته وللإعلام معناه ولقناة روتانا الإخلاص.
في زمنٍ تضيع فيه الأصوات الجادة وسط ضجيج التفاهة، يأتي العرفج ليقدّم نموذجاً مختلفاً: محتوى ذكي وإنساني وممتع في الوقت نفسه. لا يهاجم ولا يتعالَى، بل يفتح نوافذ الفكر بلغةٍ يفهمها الجميع. لهذا أراه بحق ثروة خليجية وعربية، بل أقول دون مبالغة إنه «إيلون ماسك العرب»؛ ليس في التكنولوجيا والثروة بل في قدرته على الابتكار، في إيمانه بأنّ الإعلام والفكر يمكن أن يكونا مشروعاً حضارياً يخدم الإنسان.
رحلة فكرية قبل أن تكون مغامرة
لم تكن رحلتنا إلى مسندم مجرّد مغامرةٍ على الدبابات أو جولة سياحية بين الجبال. كانت منصة مفتوحة للحوار والضحك والتأمل. على الطرقات، دار بيننا حديث عن معنى النجاح، وعن قيمة الصداقة، وعن الوطن الكبير الذي يجمعنا رغم الحدود. تحدّث العرفج عن تجربته مع برنامج يا هلا بالعرفج، وكيف يسعى إلى تقديم فكرٍ خفيفٍ لكنه مؤثر، محتوى يزرع الفكرة في قلب المشاهد دون أن يُثقله بالتنظير أو الجدل.
في استراحات الطريق، كنّا نتبادل القهوة والقصص والذكريات، بينما يدوّن كلٌّ منّا في ذاكرته شيئاً من الآخر. رأيت في تلك الرفقة مثالاً نادراً على أنّ الرحلات ليست بالمكان فقط، بل بالصحبة. كانت أرواحنا تتناغم كما تتناغم أصوات البحر مع صمت الجبال، وكان في وجود العرفج بيننا طاقة إيجابية تبعث فينا الإلهام.
رحلة مسندم كانت درساً للشباب في أن الشهرة لا تصنع القيمة، بل الفكرة هي التي تخلّد صاحبها. العرفج لم يسعَ وراء الأضواء، بل جعل من فكره الضوء ذاته. وما أحوج إعلامنا العربي اليوم إلى نماذج تُعيد الاعتبار للكلمة، وتُعيد الثقة في أن الجدية يمكن أن تكون جذابة حين تلبس ثوب البساطة.
إنني أقولها بصدق: الدكتور أحمد العرفج ثروة خليجية وعربية تستحق أن تحتفي بها المؤسسات الثقافية والإعلامية. هو من القلائل الذين يُغنون المشهد العربي دون صخب، ويخدمون الوعي الإنساني دون أن يتكلّفوا دور المعلّم أو الموجّه.
وأنا أكتب هذه السطور، أستعيد مشاهد الرحلة: جبال مسندم الشامخة، الموج الذي يرقص حول القوارب، ضحكات الرفاق، وحكايات الطريق التي لا تنتهي. لقد كانت الرحلة مناسبةً لاكتشاف المكان، لكنها أيضاً كانت رحلة لاكتشاف الذات.
شكراً بوسفيان، شكراً عرفجنا الجميل على ما تقدمه من فكرٍ وإنسانية، على صدقك الذي يعبُر القلوب دون تكلّف. ستبقى رحلتنا إلى مسندم علامة في الذاكرة، ودليلاً على أنّ المحتوى الحقيقي لا يحتاج إلى صخبٍ كي يُسمع، بل إلى صدقٍ كي يُخلّد.
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات



