عرض 3 سبتمبر.. تعبير صيني إستراتيجي – أخبار السعودية – كورا نيو

إنّ العرض العسكري الضخم الذي أقيم في 3 سبتمبر، وشارك فيه آلاف الجنود الصينين في ساحة تيانانمن، وبما للموقع المكاني والزماني من رمزية مهمة للصينيين، فإن العرض يتجاوز دلالاته التقليدية بوصفه استعراضاً عسكرياً بحتاً، بل أصبح بمثابة خطاب وطني شامل وتعبير إستراتيجي متعدد الأبعاد.
وكطقس سياسي، فإنّه يحمل وظيفة مزدوجة: إعادة إنتاج الذاكرة التاريخية من جهة، وخدمة متطلبات الحكم الوطني ومقتضيات التنافس الدولي من جهة أخرى. وفي ظل تدهور مستمر للأوضاع الأمنية العالمية، وعمق التحوّلات في النظام الدولي، تزداد أهمية هذا العرض العسكري، إذ يشكّل في الوقت نفسه إحياءً للتاريخ وبناءً للشرعية، واستجابةً للتحديات الراهنة ورسمًا لإستراتيجيات المستقبل.
وفي السنوات الأخيرة، وبدعم من الولايات المتحدة وبعض القوى الغربية، اندفعت إسرائيل في طريق التوسع العسكري غير المحدود. فهي من جهة أشعلت الحروب في محيطها، وحوّلت غزة إلى جحيم أرضي، واعتدت على إيران وسوريا واليمن؛ ومن جهة أخرى مارست سياسة «صبّ الزيت على النار»، إذ قامت مثلاً، خلال التوتر بين باكستان والهند، بتزويد الأخيرة بأسلحة ومعدات لدفع الصراع نحو مزيد من التصعيد. كما لجأت إسرائيل إلى أساليب الابتزاز الدولي، فعلى أعتاب افتتاح معرض باريس الدولي للطيران والفضاء لعام 2025، نشرت إحدى شركاتها العسكرية فيديو دعائياً مثيراً للجدل يُظهر محاكاة لضربة تستهدف فرقاطة صينية من طراز 054A، في رسالة تخويف مبطنة موجّهة إلى الصين. وبلغ بها الأمر إلى التلويح بعمليات «تصفية محددة» لقادة دول آخرين عبر القوة العسكرية. وهذا يكشف استخفافها بالنظام الدولي القائم، وإيمانها الأعمى بالقوة، واعتمادها على سياسة الترهيب والابتزاز.
من هذا المنطلق، يصبح لزاماً على الصين وغيرها من الدول النامية أن تأخذ في الاعتبار تحولات الوضع الدولي الراهن، وأن تُعد العدة لمواجهة «تغيرات القرن»، حتى تكون قادرة على حماية أمنها ومصالحها الإستراتيجية.
إنّ سلوك إسرائيل ليس مجرد تهور لدولة صغيرة، بل يعكس إرادة قوى كبرى تقف خلفها، تسعى إلى إعادة تشكيل النظام الدولي بما يخدم مصالحها الضيقة. وهو يعبّر عن خوف هذه القوى من تطوّر الدول النامية، ليس الخوف من أن تصبح هذه الدول متقدمة، بل الخوف من أن تخرج عن دائرة السيطرة الغربية.
وقد أثبت التاريخ الإنساني أنّ العنف لا يجلب الأمن، وأنّ السلاح لا يصنع السلام. إنّ الدول المهووسة بالتوسع العسكري والهيمنة لا تجلب الكوارث لشعوب المنطقة والعالم فحسب، بل تنتهي دائماً بجرّ شعوبها نفسها إلى ذكريات مريرة. فكم يدوم عمر دولة مهووسة بالهيمنة؟ مئة عام؟ مئتان؟ ثم ماذا؟ إنّ مسار التاريخ الحديث برهن أن تقدم البشرية يقوم على التواصل الحضاري لا على الصراع الوحشي والقهر العسكري. وكما يقول المثل الصيني: «ثلاثون سنة لشرق النهر، وثلاثون سنة لغربه» (معناه مثل قول العرب يوم لك ويوم عليك)، وهو تعبير عن قانون تطور العالم، وتذكير للبشرية بأن السلام هو الطريق، وأما منطق «القوي يسيطر على الضعيف» فلن يجلب إلا الاضطراب.
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات