عيد ميلاد سعيد – أخبار السعودية – كورا نيو

يقول ماركيز في رائعته (الحب في زمن الكوليرا):
(إن هذا الحب في كل زمان، وفي كل مكان، ولكنه يشتد كثافة كلما اقترب من الموت).
ولإيماني أن الحب يجُب الموت، فهذا العنصر خلق من رحمه كل الأكوان، مثله مثل الطاقة التي لا تنفد ولا تستهلك، هو موجة بدأت من الخلق الأول ومستمرة في تموجات الصعود والهبوط إلى مستقر الخلود، وبين صعودها وهبوطها تتوالد مشاعر الحب في كل نقطة زمنية. ولا يمكن للموت إلغاء الحب.
فهل أتجرأ لمناقضة مقولة ماركيز للتأكيد أن الحب وعاء عميق يجمع الموت والحياة معاً في كل الأزمان، ويحضر الحب غزيراً أو ضحلاً قبل وبعد الموت، قد تكون الكثافة هي المتغيرة.
وماركيز رقص في روايته على نغمة (الحب الغلاب)، تفتقت ذهنيته للعب راقصاً، مع ممارسة الكذب ليمتد عنصر الحب وزمنه في رواية (الحب في زمن الكوليرا)، وكأنه يقوض قدم الزمن من غير الحاجة إلى رعب الموت في قلبي عاشقين فرطا في الأيام حتى إذا التقيا كان لا بد فرط الوقت لينعما بتقاربهما، مارس اللعبة أو الكذب الروائي لكي يخلي المكان لتكثيف عنصر الحب لصد الموت/الوباء، كذبة صغيرة أو شق صغير في جدار الزمن لاسترجاع السنوات الهاربة حتى يتمدد الحب ويغدو محيطاً، أحدث لعبة سردية ذكية لتثبيت زمن انتصار الحب، ولكي يبقى مع عشيقته مبحراً في السفينة النهرية استشعر أن المحيطين بهما من ركاب تكاد أنفاسهم تخنق لحظة عاشقين، يحتاج كل منهما لأي وسيلة للإطباق على عيون من يترصد حركاتهما وسكناتهما، وماركيز كذب كذبة سردية أطالت الحب في زمن الكوليرا، فنفث بين ركاب السفينة أن وباء فتاكاً على ظهر السفينة، وما أن جرى بينهم هذا الخبر حتى هاجت الأجساد وتسارعت النبضات على قرع فزع مميت، ولأنها كذبة عاشق تضخمت وانتقل الرعب للدول، فلم تقبل الموانئ رسو السفينة الموبوءة.
– الحب هو من يخترق فهو ضد صلادة الموت، بينما الحيل تغدو ملعباً جيداً للعشاق لفرط الوقت ليستمتعا بكل لحظة..
هل هذا ما يحدث في الواقع.. أم أننا نستند على مقولة (لا يحدث هذا إلا في الروايات)؟
الإنسان في تركيبته النفسية كل ما يخشاه هو الموت، يعبر الحياة وأي تهديد لحياته يكف عن اقتراف ما يقربه من النهاية، يعلم أنه سوف يصل إلى النقطة التي ليس بعدها من سطر جديد.. ويعلم أن كل ما حوله أوبئة لكن الوباء القاتل لا يريد أن يطرأ على باله ولو على شكل وميض، يجاهد المرء على نسيان لحظة انقطاع أنفاسه، والمحبان يخترقان هذا الرعب بأمنية تلازمهما كل لحظة حتى عند الموت.
إن جدلية الحب والموت يمكن صيغتها في مشاهد مؤلمة وخاصة في الأفلام العربية القديمة، ولأن تلك الأفلام تم بثها في زمن الرومانسية، كان الحب غلاباً دوماً بحيث تنتهي المشاهد على انتصار الحب.
ويبدو أن كل فترة زمنية تستوجب إعادة مشاعر الرومانسية لكي يتغلب الناس على فجاجة الواقع، الواقع يصبح فجاً إن لم تكن هناك مشاعر رومانسية تمكن الإنسان أن يعيش مطمئناً حتى لو كان ذلك الاطمئنان وهماً.
وبمناسبة خلق هذا الوهم يمكن ترديد:- عيد ميلاد سعيد.
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات



