كيف ستنجو مكاتب المحاماة من الذكاء الاصطناعي؟ – أخبار السعودية – كورا نيو

منذ بداية التحوّل التشريعي الذي تشهده المملكة خلال العقد الأخير، لم يتعرّض قطاع المحاماة لموجة تغيّر كالتي يعيشها اليوم. فما بين مهنة كانت تُمارس بعقلية فردية تقليدية، إلى صناعة قانونية متكاملة تدار بمنهجية مؤسسية، يقف السوق اليوم أمام سؤال مصيري: كيف ستنجو مكاتب المحاماة من الذكاء الاصطناعي؟
لم يعد السؤال عن بقاء المهنة، بل عن بقاء النموذج الذي تُمارس من خلاله. فالذكاء الاصطناعي لا يهدّد جوهر المحاماة بوصفها رسالة دفاع وعدالة، لكنه يهدّد المكاتب التي لم تدرك أن زمن الخبرة وحدها قد انتهى، وأن بقاءها مرهون بقدرتها على التحوّل إلى كيانات مؤسسية تُدار بالمعرفة والحوكمة.
في الماضي، كان المحامي هو المكتب، والمكتب هو المحامي. كانت المهنة تُبنى على الاسم الشخصي والعلاقات والذاكرة القانونية. أما اليوم فقد أصبحنا أمام قطاع يتجه نحو العمل المؤسسي، حيث تتعدّد التخصصات وتُدار الفرق القانونية بعقلية إدارة وتشغيل لا بعقلية الأفراد. لقد كشف دخول المكاتب الدولية إلى المملكة حجم الفجوة بين الأسلوب التقليدي المحلي والنموذج المؤسسي العالمي الذي يُدار فيه العمل القانوني بمنطق الاقتصاد والإدارة والاستدامة.
تشهد المنظومة العدلية في السعودية وتيرة غير مسبوقة من التشريعات والتنظيمات، فكل أسبوع تقريباً يُصدر نظام جديد أو لائحة تُحدّث بيئة العمل، من نظام الشركات إلى نظام المحاكم التجارية. هذه السرعة في التشريع تجعل من الضروري أن تبني المكاتب القانونية آليات متابعة وتحليل دائمة لتظل قادرة على مواكبة التغيّرات، وتقديم استشارات حديثة تُواكب الواقع المتجدّد.
تغيّرت أيضاً معايير التميّز في سوق المحاماة، فلم يعد النجاح يُقاس بعدد القضايا أو العملاء، بل بقدرة المكتب على تقديم خدمة قانونية دقيقة وسريعة وبكلفة منطقية. الشركات اليوم تبحث عن المكتب القادر على تحويل المعلومة إلى قيمة، وعلى أن يكون شريكاً في القرار لا مجرد منفذ له.
الذكاء الاصطناعي لا يستبدل المحامي، لكنه يستبدل الأسلوب البطيء والعشوائي في العمل. إنه اختبار للمكاتب في مدى قدرتها على إدارة المعرفة، وتوظيف التقنية في المراجعات التعاقدية وتحليل المخاطر وتسريع وتيرة الإنجاز. القيمة اليوم ليست في الحفظ، بل في الفهم والتحليل والسرعة، ومن لا يُتقن هذه المهارات لن يستطيع مجاراة السوق الجديد.
النجاة في هذا العصر لا تكون بتجنّب هذا التطوّر التقني الهائل، بل بتبنيه بحكمة. فالمكاتب القادرة على التحوّل إلى إدارة مؤسسية، وتنظيم المعرفة القانونية، وتوظيف التقنية لخدمة القرار، وبناء الثقة والحوكمة، هي التي ستبقى. إن الذكاء الصناعي لا يختصر الجهد فحسب، بل يعيد تعريف القيمة في مهنة القانون.
المكتب الذي يقيس نجاحه بعدد القضايا سيختفي، أما الذي يقيسه بقدرته على ابتكار الحلول فسيبقى. المملكة اليوم تُهيئ بيئة قانونية متقدّمة ضمن مسار التحوّل الوطني، ووزارة العدل تقود هذا التحوّل بثبات وجرأة، أما الدور الباقي فهو على المكاتب المحلية أن تواكب هذا الإيقاع بنفس الوعي والسرعة.
فالذكاء الاصطناعي لن يُقصي المحامي، لكنه سيُقصي المنظومة القانونية التي لم تتعلم بعد كيف تكون ذكيةً مثله.
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات



