لبنان بين الضغط الداخلي والابتزاز الخارجي – أخبار السعودية – كورا نيو

إعلان المرحلة الأولى من خطة الجيش اللبناني لحصر السلاح، فتح الباب أمام نقاش داخلي وخارجي يتجاوز مجرد المهلة الزمنية.
ثلاثة أشهر بدت كأنها وقت قصير لرسم خريطة طريق نحو هدف استراتيجي لطالما تعثرت الحكومات في مقاربته: «حصر السلاح بيد الدولة».
جلسة مجلس الوزراء في 5 سبتمبر لم تكن عادية، فهي منحت الجيش تفويضاً سياسياً شكلياً، لكنها في الوقت نفسه كشفت الغموض المتعمّد الذي يحيط بالتفاصيل. فالقرار جاء بلا آليات تنفيذية واضحة، وبلا جدول زمني لما بعد انتهاء المرحلة الأولى، وكأن الحكومة أرادت أن توازن بين رفع شعار الدولة وبين ترك الباب مفتوحاً أمام تسويات محتملة.
هذا الغموض ليس بالضرورة علامة ضعف، وقد يكون انعكاساً لميزان القوى. فالحكومة لا تستطيع المجاهرة بخطوات عملية ضد حزب الله من دون أن تتحمل كلفة مواجهة سياسية وأمنية يصعب السيطرة على نتائجها. لكنها في الوقت نفسه ملزمة بتقديم صورة إلى الخارج بأنها تسير في اتجاه تعزيز سلطة الدولة. وهكذا، تحوّلت المهلة المعلنة إلى أداة مزدوجة: في الداخل وسيلة لإدارة التوازنات، وفي الخارج ورقة لشراء الوقت.
جنوب لبنان.. قلب المعادلة
المرحلة الأولى من الخطة تتمركز في الجنوب، حيث يتداخل السلاح مع الجغرافيا والسياسة والبنية الاجتماعية. هذه المنطقة ليست مجرد رقعة عسكرية، بل مسرح يومي للاحتكاك مع إسرائيل، ومجال حيوي لحزب الله الذي يملك فيها قدرة نفوذ شبه مطلقة. أي تحرك للجيش هنا لن يكون تقنياً أو إدارياً فحسب، بل سيحمل دلالات سياسية عميقة: هل الجيش قادر على فرض حضوره من دون صدام؟ هل يمكن للحكومة أن تترجم شعار “السلاح بيد الدولة” من دون أن تتحول إلى خصم مباشر للحزب؟
المعضلة أن الجنوب ليس فقط ملفاً داخلياً، بل أيضاً خط تماس مع إسرائيل. أي حادثة أمنية أو تصعيد ميداني قد يقلب المعادلة رأساً على عقب. فإذا اختار الحزب عدم التعاون، أو إذا تحركت إسرائيل بشكل مفاجئ، فإن مهلة الأشهر الثلاثة ستفقد قيمتها العملية وتتحول إلى عنوان أزمة جديدة.
الحسابات الدولية والضغوط الغربية
في الكواليس، ينظر الغرب إلى هذه المهلة باعتبارها اختباراً لصدقية الدولة اللبنانية. الأمريكيون لم يصدروا موقفاً علنياً حاسماً بعد جلسة 5 سبتمبر، بخلاف ما فعلوا في محطات سابقة، لكنهم يواصلون العمل عبر لجنة مراقبة وقف إطلاق النار، المعروفة بـ«الميكانيزم». هذه اللجنة تركز على ضمان أن تبقى حدود الجنوب مستقرة، وأن يتم تسجيل أي تقدّم ملموس في تطبيق خطة الجيش.
الأوروبيون بدورهم يربطون مساعداتهم الاقتصادية والمالية بمؤشرات سياسية وأمنية. وكل تباطؤ داخلي سينعكس مباشرة في مواقف أكثر تشدداً من بروكسل وباريس وبرلين. وهو ما يعني أن الحكومة اللبنانية لا تواجه فقط تحدي السيطرة على السلاح، بل أيضاً خطر خسارة الدعم الخارجي إذا لم تُظهر تقدماً ملموساً. الضغط هنا ليس رمزياً، بل عملي، وقد يتحول إلى ورقة ابتزاز مالي في أية لحظة.
الحكومة تمشي على الحافة
لماذا تعمّدت الحكومة اللبنانية أن تلتزم سياسياً بخطة الجيش من دون أن تدخل في مواجهة مفتوحة مع حزب الله؟ هل تركت التفاصيل ضبابية لتسمح لنفسها بالمناورة؟ هذا الغموض، وإن بدا مربكاً للبعض، إلا أنه وفقاً لمصدر سياسي خاص بـ«عكاظ»، يمنح الدولة هامشاً لتجنب الانفجار المبكر، ويتيح لها كسب الوقت بانتظار تبلور تفاهمات أوسع، سواء داخلية أو إقليمية. لكن هذه الاستراتيجية محفوفة بالمخاطر. فالمماطلة قد تُفسَّر داخلياً على أنها ضعف، وتفتح الباب أمام تصاعد الاحتجاجات أو عودة السجالات السياسية الحادة. وفي الخارج، قد يقرأها الشركاء الدوليون إشارةً إلى غياب الجدية، ما يدفعهم إلى مضاعفة الضغوط. بمعنى آخر، إن لعبة التوازن هذه لا يمكن أن تستمر طويلاً: فإما أن تتحول إلى أداة ناجحة لتأجيل الانفجار، أو إلى سبب مباشر لتفجيره.
ملامح المرحلة القادمة
مع اقتراب نهاية العام 2025، ستتضح إلى أي مدى استطاع لبنان أن يحول المهلة الأولى إلى إنجاز ملموس. فالمرحلة الثانية من خطة حصر السلاح مرهونة تماماً بنتائج الأشهر الثلاثة الأولى. إذا تمكن الجيش من فرض حضور تدريجي في الجنوب من دون صدام مباشر، فسيكون ذلك مكسباً سياسياً يمكن البناء عليه. أما إذا بقي التنفيذ معلقاً والغموض سيد الموقف، فإن لبنان سيدخل مرحلة جديدة من الضغط الخارجي والابتزاز الداخلي.
في كل الأحوال، جلسة 5 سبتمبر كانت خطوة تكتيكية محسوبة: إعلان أن الدولة تحاول أن تفرض سلطتها ضمن حدود الممكن، وأنها تختبر قدرتها على السير بين الخطوط الحمراء. والسؤال الذي سيبقى مطروحاً هو ما إذا كانت هذه الأشهر الثلاثة مجرد فترة لشراء الوقت بانتظار تسوية دولية أوسع، أم أنها بداية فعلية لمسار طويل نحو استعادة الدولة لقرارها السيادي. الإجابة لن تأتي في البيانات الرسمية، بل في الميدان حيث يتحدد ميزان القوة الفعلي.
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات