أخبار العالم

مع كامل احترامي.. – أخبار السعودية – كورا نيو



في اللهجة السعودية ثمة جماليات خاصة، حيث تُستخدم بعض العبارات على نحو لا يطابق معناها الأصلي. فحين يقول أحدهم لصاحبه كلمة «عفواً»، قد لا يقصد بها طلب المعذرة أو الشكر، بل قد تكون أقرب إلى تعبير عن الدهشة والامتعاض من قولٍ لم يستسغه. وكذلك الحال مع العبارة الشهيرة: «مع كامل احترامي». فهي في ظاهرها تقدير وتوقير، لكنها في واقع الاستخدام الشعبي إنذار مبكر بأن ما يليها سيحمل رأياً مخالفاً وربما قاسياً.

ومع كامل احترامي، فإن ما أقدمن عليه عدد من «مشهورات» التواصل الاجتماعي من ظهور متكلف بكامل الزينة والمكياج، وبملابس لا تتفق مع أعراف المجتمع واشتراطات لائحة الذوق العام، لم يكن سوى انعكاس لمشهد لا يليق. وزاد المشهد تضخيماً أن هذا الظهور ارتبط باستعراض سيارة فارهة بقيمة عشرة ملايين ريال، وكأن مجرد شراء سيارة يُعد إنجازاً يستحق الاحتفالية.

المشكلة ليست في الملبس أو السيارة بذاتها؛ فهذه أمور شخصية في الأصل. لكن الإشكال يكمن في التباهي المفرط وأثره السلبي، حين يقترن بمظهر لا يراعي الذوق العام ولا ينسجم مع القيم السائدة في المجتمع. فحين يظهر الشخص بمظهر متكلف أو لباسٍ غير لائق أمام ملايين المتابعين، فإن الرسالة التي يتلقاها أبناء الوطن ومعهم المقيمون الذين يعيشون بيننا لا تكون عن النجاح والاجتهاد، بل عن اختزال الطموح في زينة عابرة أو سيارة فارهة. وهنا مكمن الخطورة، لأننا نُصدّر صورة لا تليق بوطن يبني مستقبله على أسس من الجدّ والاجتهاد لا على مظاهر الترف والشكليات.

ومع كامل احترامي لدوافع وأسباب ما قمن به هؤلاء المشاهير، فإن محاولة إثبات الذات عبر المظاهر أو المال لا يمكن أن تُقدَّم على أنها نجاح حقيقي. فالنجاح لا يُقاس بالزينة ولا بالسيارات الفارهة، بل بالمنجز الذي يخدم وطنه ويترك أثراً نافعاً في مجتمعه. ووطننا اليوم بقيادته الرشيدة يمضي في مشاريع عملاقة غير مسبوقة، من المدن الذكية إلى الطاقة المتجددة والاقتصاد المتنوع. وهذه المشاريع لا تحتاج إلى جيل مفتون بالمظاهر العابرة، بل إلى جيل واعٍ يحمل على كاهله المسؤوليات الوطنية، ويترجم أحلام القيادة إلى منجزات واقعية تليق بمكانة السعودية بين الأمم.

ومع كامل احترامي، إذا تأملنا في دوافع بعض المشاهير، نجد أن خلفياتهم البسيطة أو المتوسطة قد تجعل الاستعراض بالمال والمظهر وسيلة لإثبات الذات أمام الآخرين. وهذا أمر مفهوم من الناحية النفسية، لكنه في السياق الاجتماعي يخلق صورة مشوشة عن معنى النجاح. فالغنى ليس دوماً بما يُشترى، بل بما لا يُشترى: بالقيم المجتمعية، بالسمعة الطيبة، بالمنجز الذي يخدم الناس ويترك أثراً حقيقياً.

ومن هنا، قد يكون من المناسب أن تتوسع هيئة الإعلام إلى جانب ضبط المخالفات في جانب الإرشاد والتثقيف، لتذكير الجيل الجديد أن النجاح الحقيقي ليس ثوباً فخماً ولا سيارة فارهة ولا مظهراً متكلفاً، بل قيمة يعيشها الإنسان ويُخلدها المجتمع.

ومع كامل احترامي مرة أخرى، فإن المنظرة بهذا الشكل ليست حرية شخصية كما قد يُظن، بل هي تجاوز يمس الذوق العام ويؤثر على صورة المجتمع بأسره. فالدولة التي ترسم مستقبلها بجهد وجد ورغبة حقيقية في تطوير الاقتصاد ونجاح المشروع التنموي، لا يمكن أن يُختزل طموحها في سيارة وزينة ومقطع عابر على وسائل التواصل.

وهنا يأتي دور هيئة الإعلام التي تابعت المشهد وتعاملت معه سريعاً، لتعليق رخصة «موثوق» الخاصة بها. خطوة مشكورة وضرورية، لكنها ليست جوهر القضية. فالعبرة ليست في الرخصة بحد ذاتها، بل في أن ما جرى كشف لنا كيف يمكن لسلوك فردي أن يُصدّر رسالة سلبية لملايين، وكيف أن الانضباط بالذوق العام هو حماية للمجتمع كله لا تقييداً لأفراده.

وأخيراً ومع كامل احترامي، فإن تعليق الرخصة قد يبدو للبعض إجراء عابراً، لكنه في جوهره تذكيرٌ بأننا في وطن لا يُترك فيه المجال الإعلامي للعبث، وأن الشهرة ليست غاية في ذاتها، بل مسؤولية. ومن يظن أن الطريق إلى النجاح يمر عبر استعراض سيارة بملايين الريالات وزينة عابرة، فليتأمل وطناً بأكمله يمتطي صهوة المستقبل الحقيقي، مبشّراً بمشاريع تلو الأخرى، ومنجزات حقيقية للوصول للمكانة الحقيقية التي يستحقها وطننا الغالي.

أخبار ذات صلة

 


المصدر : وكالات

كورا نيو

أهلا بكم في موقع كورا نيو، يمكنكم التواصل معنا عبر الواتس اب اسفل الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى