معارض الكتاب.. ترويج مفقود ! – أخبار السعودية – كورا نيو

في كل موسم من مواسم معارض الكتاب، التي درجت وزارة الثقافة، ممثلة في هيئة الأدب والنشر والترجمة، على تنظيمها، استشعر جديدًا يضاف إلى حياتي، سواء بزيارة هذه المعارض، أو متابعة ما يعرض فيها ويصاحبها من برامج أدبية وأنشطة تفاعلية.
يجتهد القائمون عليها في تنويعها معرفيًا، بحيث تغطي حقولًا إبداعية كثيرة، ونوعيًا بحيث تشمل كافة قطاعات المجتمع من مخضرمين، وشباب ويفّع وأطفال، في مدى زمني محدد، يجعل الحراك لاهثًا، ومتسارعًا ليفي بما خطط له من أهداف
كل ذلك أتابعه بغبطة وشعور بالرضا، غير أني في المقابل، حين أخرج من ساحة المعرض، وانفلت عند دائرة فعالياته، يحزنني أن لا أجد لها أثرًا ملموسًا، أو اهتمامًا ملحوظًا؛ بل على العكس من ذلك، فالغالبية لا يدرجون «الكتاب» في محيط اهتمامهم اليومي، ولا حتى الموسمي، وينصرفون كل الانصرف عن البرامج الثقافية والأدبية، و«يعافون» حتى مجرد ذكرها، بما يحتّم من رفع الأسئلة المؤرقة حيال هذا العزوف، وهذا الانصراف المجتمعي عن الكتاب،
أقول هذا وفي خاطري ما حقّقه معرض المدينة المنورة للكتاب 2025، والذي انفض سامره الأسبوع المنصرم تابعت عن بُعد فعالياته، وسعدت بتنوعها، وفي المقابل لم أجد أي ترويج، أو تبشير بعناوين جديدة إلا في نطاق محدود، بما يكلّف الراغب أن يسأل آخرين «عن الجديد»، وهو وضع يتطلّب نهجًا مدروسًا يجتاز معضلة النطاق المحدود والدوائر المغلقة، إذ لم تعد عمليّة التّرويج والإعلان والدّعايّة أمرًا يمكن إغفاله أو تجاهله في حيثيات طرح أيّ منتج في سوق التّنافس للجمهور.
ولا يختلف مفهومنا بأي درجة من درجات الاختلاف حول أهمية هذا النّشاط الحيوي، إذا نظرنا إليه في سياق التّرويج للمنتج الثّقافي والأدبي، ما عاد من المقبول فهم هذا الأمر من زاوية حرجة تصمه بالرّغبة في التّلميع، أو النّزوع نحو تضخيم الذّوات بدافع شهوة الظّهور، وإنّما علينا استيعابه في إطاره التّسويقي، بوصفه «سلعة» من السّلع المعروضة على المتلقي في سوق المساومة، بما يتطلب أن تكون هناك إشارة دعائية دالة على مكانه، ومبيّنة لمحتواه، ومشيرة إليه بنحو يفتح الضّوء عليه وُيرغّب الطّامح في اقتنائه، أسوة بغيره من السلع الإبداعية الأخرى، كالأفلام، والمسرحيات، والتسجيلات الغنائية، وغيرها.
لهذا فلا أجد أي مبرر لما يستشعره البعض من حرج في تسويق المنتج الأدبي الكِتابي من هذا الباب، بتخليصه من فكرة وصفه
بالسّلعة من منظور أنّ «الكتاب» وإن جلس مجلس «المُباع والمُشترى»، فإنّه بعيد عن ذلك كلّ البُعد، فهو حاضن لأفكار ورؤى ومشاعر وأحاسيس وغيرها من المُتعلّقات بالشّأن الكتابي الإبداعي، وكلّها عصيّة على «التّسليع» مترفّعة عن مساومة السّوق، بالغًا ما بلغت درجة الإجادة فيها أو الإخفاق، لكنّها تبقى بمنأى عن ذلك، وهذا أمر مقبول ومقنع، لكن نجد أن ما يلحقها بالسّوق وتسليعه يأتي عند البحث عن معادلة مقبولة في ميزان الاقتصاد بين المصروف على الكتاب من ورق وطباعة وكلّ ما يلحق ذلك، والعائد المتوقّع الذي يغطّي ما صُرف، مع هامش ربح يُبقي الفعل الكتابي قادرًا على الحضور دون عنت أو تسوّل. وهي معادلة تتطلّب وعيًا تسويقيًا مختلفًا، بما يستلزم أن يكون التّرويج والإعلان والدّعاية لأي منتج أدبي مختلفًا عن أيّ دعاية أو ترويج لسلعة أخرى، فليس ثمّة منافس لكتاب ما إلا محتواه هو لا غيره، مع قناعة بأنّ «المبالغة» التي هي شرط محسوس في الدّعاية للسلع المستهلكة لا تبدو حميدة في هذا المقام، بل تكون عامل تنفير، وسبب انصراف من قبل المُستهدف بالعمل الإبداعي، وعلى هذا لابد أن تكون دعاية متوازنة للكتاب، لا تغفل عن الإشارة المبرقة لجودة محتواه بانتقاء لأشرق ما فيه، ولا تزيد على ذلك بتضخيم مبالغ فيه، خاصة إذا كان المُروّج له كاتب حدث، يخطو أوّل عتباته في سلم الإبداع، فإن مثل هذا الترويج التضخيمي لابد أن ينعكس عليه سلبًا من ناحيتي القبول والارتداد النّفسي إذا لم يبلغ الشوط مبتغاه من الشّهرة المعلن عنها.
وفي هذا أشير إلى «ركن المؤلف السعودي» لا من باب الانتقاص بل من باب توخي الحذر، فما يقدمه من عون وترويج للأقلام السعودية الناشئة من الجنسين، أمر مفرح ومبشّر، وكان حضوره في معرض المدينة المنورة هذا العام كما يجب أن يكون، ولكن في المقابل من المهم أن يقدّم الإرشاد النفسي للناشئة حتى يدركوا عظم المسؤولية، وضرورة توخي الحذر، حتى يحلقوا بأجنحة قادرة على الصمود، والإتيان بكل جديد، في سياق التطور والنمو المضطرد في سوح الأدب والثقافة والإبداع.
وأتمنى صادقاً من وزارة الثقافة أن تضع في دائرة اهتمامها تشجيع الكتاب السعوديين وحثهم على المزيد من الكتابة ومعالجة السلبيات عن طريق القلم ومساعدتهم على تسويق إنتاجهم والدعاية لكل إصدار جديد في كافة الوسائل الإعلانية المتاحة في وسائل التواصل الاجتماعي ولوحات الشوارع مع الغذاء والدواء والسياحة والترفيه.
وليس بعصي على وزارة الثقافة في حراكها الدائم أن تكون لها مكتبات خاصة مميّزة لبيع الكتاب بأسعار معقولة بدلاً من استغلال المكتبات الكبيرة في رفع أسعار الكتاب فلا يكون متاحاً للجميع.
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات