أخبار العالم

نصف الشلل! – أخبار السعودية – كورا نيو



الشلل النصفي من الحالات العصبية المعقّدة التي تغيّر حياة المصاب بشكل جذري، إذ يفقد الشخص القدرة على تحريك أحد جانبي جسده كلياً أو جزئياً. ويتنوّع هذا النوع من الشلل بحسب درجة الإصابة؛ فقد يكون تاماً ويؤدي إلى فقدان كامل للحركة، أو جزئياً إذ تضعف العضلات دون فقدانها بالكامل. كما يظهر أحياناً بشكل تشنجي يترافق مع تيبّس عضلي، أو بشكل رخو لترتخي العضلات تماماً.

ورغم أن أغلب الاهتمام في حالات الشلل النصفي ينصبّ على الجانب الجسدي والتأهيلي، إلا أن البعد النفسي يظل عاملاً جوهرياً لا يمكن تجاهله. فالإصابة المفاجئة بشلل في نصف الجسد لا تمسّ العضلات فحسب، بل تهزّ البنية النفسية للمصاب، وتُحدث اضطراباً عميقاً في توازنه العاطفي والاجتماعي.

الشلل الناتج عن السكتة.. يعالج

استشاري جراحة المخ والاعصاب الدكتور عبدالهادي القحطاني يقول لـ«عكاظ»: «إن رحلة التشخيص تبدأ من العيادة، اذ يُجري الأطباء فحصاً سريرياً دقيقاً لتقييم قوة العضلات وردود الأفعال العصبية، ثم يُلجأ بعد ذلك إلى تقنيات التصوير المتقدمة مثل الأشعة المقطعية أو الرنين المغناطيسي للكشف عن مصدر الخلل في الدماغ أو العمود الفقري. وفي بعض الحالات، تُجرى تحاليل إضافية لتحديد الأسباب الكامنة وراء الشلل، مثل العدوى أو أمراض المناعة الذاتية».

وأضاف الدكتور القحطاني: إن السكتة الدماغية تعد السبب الأبرز وراء حدوث معظم حالات الشلل النصفي، تليها إصابات الدماغ الرضية، وأورام الجهاز العصبي، إضافة إلى أمراض مثل التصلب المتعدد والشلل الدماغي لدى الأطفال، لكن ورغم خطورة هذه الأسباب، فإن الإصابة لا تعني بالضرورة أن الشلل دائم. فبعض الحالات، خصوصاً الناتجة عن جلطات بسيطة أو مؤقتة، قد تشهد تحسناً كبيراً مع العلاج المناسب، فالعامل الفارق يكمن في سرعة التدخل الطبي وفعالية برامج التأهيل.

جلسات خاصة للنطق

طبيب العظام الدكتور عبدالرحمن الناصر، يرى أن العلاج لا يقتصر على الأدوية، بل يشمل منظومة متكاملة من الرعاية. فيبدأ بالعلاج الدوائي للسيطرة على الجلطات أو التشنجات، وقد يتوسع ليشمل التأهيل الحركي عبر جلسات العلاج الطبيعي والوظيفي. كما تُخصص جلسات للنطق في حال تأثرت القدرة على الكلام أو البلع، وقد يتطلب الأمر في بعض الحالات تدخلاً جراحياً. وتبرز أهمية الدعم النفسي والاجتماعي جزءاً لا يتجزأ من الخطة العلاجية، إذ يعاني كثير من المرضى من تغيرات نفسية حادة بعد الإصابة.

وأكد الدكتور الناصر أنه ورغم التحديات التي يحملها الشلل النصفي، إلا أن قصص النجاح التي تشهدها العيادات يومياً تؤكد أن الأمل لا يزال حاضراً. فهناك أطفال وُلدوا بإعاقات حركية وتمكنوا من دخول المدرسة والاعتماد على أنفسهم، ومرضى جلطات دماغية استعادوا توازنهم ومارسوا حياتهم من جديد، هناك قصص كثيرة تُثبت أن الإرادة البشرية، حين تتكامل مع الطب والدعم الأسري، قادرة على قلب المعادلة.

حزن مشروع واكتئاب سريري

استشارية الطب النفسي واختصاصية اضطرابات المزاج والقلق الدكتورة إيناس الثقفي، شددت على أنه في حال وجود طبيب نفسي منذ اللحظة الأولى للإصابة قد يكون فارقاً في مسار الشفاء، مؤكدة أن الصحة النفسية لا تقل أهمية عن الجسدية، وفي بعض الأحيان، تكون هي مفتاح التعافي الحقيقي.

ويظهر أثر الصدمة النفسية بوضوح عند المصابين الجدد، خصوصاً حين تترافق الإصابة مع مشاعر حادة من الإنكار أو الحزن أو حتى الانسحاب من المحيط. وتُعدّ هذه المرحلة حسّاسة، إذ قد يتطوّر الحزن المشروع إلى اكتئاب سريري يعيق التقدم في العلاج الجسدي. بعض المرضى يفقدون الرغبة في الخضوع للعلاج الطبيعي، أو يعزلون أنفسهم عن الحياة، ما يستوجب تدخلاً فورياً من فريق نفسي متخصص.

وفي مثل هذه الحالات، يصبح الدعم النفسي ضرورة علاجية لا ترفاً، بل عنصراً أساسياً في استعادة التوازن الداخلي وتحفيز الجسد على التقدّم. المعالجة النفسية تهدف إلى تعزيز القبول، وتقوية المرونة النفسية، ومساعدة المريض على بناء نظرة أكثر تفاؤلاً نحو المستقبل، حتى وإن تغيّر شكله.

تحدّثوا عن التعافي بلا توقف

الدكتورة الثقفي تضيف: لا يمكن الحديث عن التعافي دون التوقف عند دور العائلة، التي تمثّل حجر الأساس في دعم المصاب. فالدعم العاطفي اليومي، المتابعة في التمارين المنزلية، وملاحظة التغيرات النفسية، كلها عناصر حاسمة في تعزيز ثقة المصاب بنفسه. لكن هذا الدور لا يتحقّق عشوائياً، بل يحتاج إلى تأهيل وتوعية لذلك، تعمل بعض الفرق العلاجية على تقديم جلسات إرشادية لأفراد العائلة، تُشرح فيها طبيعة الحالة، وكيفية التفاعل معها، وأهمية توفير بيئة داعمة خالية من الشفقة الزائدة أو الضغط النفسي. كما يُشجَّع أفراد الأسرة على التعبير عن مشاعرهم والحصول على الدعم عند الحاجة؛ لأنهم أنفسهم يخوضون رحلة معقّدة من التكيف.

وفي النهاية، يظهر أن التعافي من الشلل النصفي لا يتحقق فقط من خلال الأدوية أو الجلسات العلاجية، بل يتطلب مقاربة شاملة تراعي الجسد كما النفس، وتُشرك المريض وعائلته في مسار طويل، لكنه ممكن، نحو الشفاء.

ناجون يروون حكاياتهم

أحمد عيسى (شاب في العشرينات) أصيب بشلل نصفي بعد حادثة سير، لكنه بفضل برنامج تأهيلي مكثّف، عاد يمشي بمساعدة دعامة، ويعمل حالياً مدرباً لمرضى مشابهين عانوا من ذات الشلل.

وفي قصة أخرى، لينا (طفلة) وُلدت بشلل دماغي نصفي، وخضعت لجلسات علاج طبيعي منذ عامها الأول، واليوم تذهب لمدرستها دون مساعدة، وتكتب بيدها المصابة، وتمارس حياتها بصورة طبيعية.

كما تعافت فتحية عبدالله (سيدة خمسينية) من جلطة دماغية سبّبت لها شللاً نصفياً، واستعادت قدرتها على الحركة تدريجياً بعد عام من الصبر والدعم العائلي والنفسي.

هذه النماذج تُثبت أن الطريق صعب، لكنه ليس مستحيلاً.

أخبار ذات صلة

 




المصدر : وكالات

كورا نيو

أهلا بكم في موقع كورا نيو، يمكنكم التواصل معنا عبر الواتس اب اسفل الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى