هيئة الإذاعة والتلفزيون.. وذاكرة الأرشيف الغائب – أخبار السعودية – كورا نيو

تابع قناة عكاظ على الواتساب
رغم أهمية مشاركة هيئة الإذاعة والتلفزيون في الاحتفال باليوم العالمي للتلفزيون، فإن المادة التي قُدِّمت بهذه المناسبة لم تُنصف البدايات الحقيقية للبث التلفزيوني السعودي، ولم تلامس عمق التجربة الأولى التي انطلقت قبل ستة عقود. فقد اقتصر العرض على مشاهد ولقطات تُجسّد مرحلة «الشباب» في عمر التلفزيون، متجاهلاً مرحلة التأسيس التي شكّلت الركيزة الأولى لانطلاقة البرامج الاجتماعية والترفيهية والدينية والمسلسلات العربية والسعودية ونشرات الأخبار.
– هذا التجاهل، إن صحّ الوصف، لا يبدو متعمداً بقدر ما يعكس اجتهاداً سريعاً من فريق إعداد لم يعاصر تلك الفترة، أو نفّذ تعليمات تستهدف مجرد المشاركة في المناسبة دون تدقيق أو مراجعة من مختصين يمتلكون خبرة أرشيفية وتاريخية تؤهلهم لصياغة محتوى يليق بمكانة التلفزيون السعودي.
– وجوه غابت عن الشاشة وغيّبها التقرير وهذا كان واضحاً، إذ لم تتناول المواد المعروضة أسماءً صنعت حضور التلفزيون السعودي، وأسهمت في بناء هويته المهنية على مدى سنوات طويلة. من هؤلاء: محمد حيدر مشيخ، مطلق الذيابي، محمد الشعلان، محمد الصبيحي، بدر كريم، علي النجعي، غالب كامل، ماجد الشبل، والدكتور محمد غالب، وغيرهم من رواد المهنة، ممّن سبق ظهور الإعلامي سليمان العيسى الذي بدأ معلقاً رياضياً قبل أن يتجه إلى تقديم البرامج الرياضية.
– كما غابت أسماء أثرت برامج الأطفال في محطتي جدة والرياض والمدينة، مثل «بابا علي» و«ماما أسمى»، وهي الشخصيات التي سبقت ظهور برامج الأطفال الشهيرة: «بابا فرحان»، «عدنان ولينا»، و«افتح يا سمسم».
– اما الدراما التي شكلت وكونت بدايات الذائقة التلفزيونية في تلك الحقبة الزمنية، فقد كانت الدراما اللبنانية تتصدر المشهد في التلفزيون السعودي. وأول مسلسل عُرض على الشاشة السعودية كان «سر الغريب» بطولة رشيد علامة ومحمود سعيد، إضافة إلى أعمال راسخة مثل «جحا»، «رجال القضاء»، و«اليد الجريحة»، ومسلسل «عمر بن عبدالعزيز». وقد شكّلت هذه الأعمال ذائقةً فنية لدى جيلٍ كامل، وأسست علاقة وجدانية بين المشاهد والشاشة.
– أما الدراما السعودية الكوميدية، فقد انطلقت من محطة تلفزيون جدة عبر أسماء راسخة أبرزها لطفي زيني، حسن دردير، والموصلي «حج تخته». وكان كثير من الأعمال يُنتج آنذاك في تونس ولبنان ومصر، مثل مسلسل «فندق المفاجآت». وفي المقابل، برزت الدراما التراجيدية عبر ممثلين من الرياض، مثل عبدالرحمن الخريجي وسعد خضر، في مسلسلات شكلت أساس الدراما المحلية، ومنها «المهند». كما قدم النجمان طلال مداح ومحمد عبده تجربتين مميزتين في «الأصيل» و«أغاني في بحر الأماني».
– لم تكن البرامج الدينية بمنأى عن تلك المرحلة الذهبية؛ فقد تميزت الشاشة السعودية ببرامج رائدة مثل الصحة والحياة للدكتور زهير السباعي أمده الله بالصحة والعافية و«نور وهداية» و«على مائدة الإفطار» للشيخ علي الطنطاوي و«مجالس الإيمان» تقديم زهير الأيوبي، ثم برنامج «بيني وبينكم» للشيخ عبدالعزيز المسند – رحمهم الله جميعاً.
– انها حقيقة رؤية وزراء في تلك المرحلة صنعت الانطلاقة ويُحسب لوزيري الإعلام آنذاك، جميل الحجيلان وإبراهيم العنقري، أنهما تبنيا رؤية منفتحة سبقت عصرها، وأسهمت في دعم الانطلاقة المتفردة للتلفزيون السعودي عبر أربع محطات رئيسة: الرياض، جدة، الدمام، والمدينة المنورة. وقد كانت كل محطة تبث برامجها الخاصة، لصعوبة توحيد البث في تلك الفترة.
– عذراً إذا أضفت ملاحظة أخيرة حول قناة «ذكريات» التي أراها تحمل ذاكرة ناقصة بما يُعرض بين الحين والآخر في قناة «ذكريات» يعكس بدوره قصوراً واضحاً في تغطية كامل تاريخ التلفزيون السعودي، إذ تتركز المواد المقدمة على حقبة زمنية محددة، بينما تتجاهل، من وجهة نظري الشخصية، العصر الذهبي الحقيقي للتلفزيون، والجيل الذي أسس للمحتوى المحلي بمختلف أشكاله من برامج دينية وثقافية وترفيهية ومسلسلات درامية.
ختاماً، كل ما قدمته هنا من ملاحظات ليست انتقاصاً من الجهد المبذول، بل دعوة لإعادة قراءة الأرشيف، واستحضار الذاكرة الإعلامية كاملة دون حذف أو تجاهل، والاعتراف بأسماء كان لها دور محوري في تأسيس تجربة تلفزيونية وطنية امتدت آثارها لأجيال. إن الاحتفال باليوم العالمي للتلفزيون لا يكتمل دون تكريم تلك البدايات، واستعادة أرشيفها، وصون الذاكرة التي صنعت هوية الإعلام السعودي.
المصدر : وكالات



